لا للتطاول- د.صبري صيدم
أن يقرر أحدهم التطاول على أحد أهم رموزنا الوطنية الدينية الفلسطينية والتي سقط من أجلها آلاف الشهداء وذاد عن حياضها آلاف الجرحى والأسرى بصفتها جزءا أصيلا من هويتنا وانتمائنا وكرامتنا, لهو تطور خطير قد يراه البعض فرديا أو عرضيا أو عابرا.
شخص بصفة مرب وعلامة وأستاذ يستل كاميرته الخاصة ويقف مقابل أحد أهم مساجدنا التي تحمل اسم أحد أهم رجال التسامح والعدل في ديننا الإسلامي الحنيف ليعطي لنفسه الحق بالإساءة لهو أمر في غاية الاستهجان والعجب من حيث التوقيت والشكل والإخراج خاصة في حضرة شعب اعتد برسالة رسوله الأمين محمد (صلى الله عليه وسلم) وتسامح السيد المسيح عليه السلام.
فكيف لشخص مسلم أن يتعدى على رسالة النبي الأكرم وحرصه على تجسيد مفهوم "الدين المعاملة" فيخرج أمام شعب مكلوم مجروح ليصنف المواقع المقدسة بما يخالف تعاليم ديننا الحنيف وعظمة رسولنا الكريم والعهدة العمرية. فلو كنا قد وصلنا إلى حال محتدم من القتل والتدمير والتنكيل واستسهال الحرق والشنق في عالمنا العربي فإننا لا يمكن فلسطينيا أن نسمح باختلاط الأمور أو تعظيم ذاتنا على الآخرين أو استضعافهم أو الإساءة إليهم. فالخليفة عمر دخل القدس منتصرا وفاتحا ومدججا بما امتلكه من سلاح لكنه وفي حضرة جبروته لم يسمح لأحد بالإساءة لأحد أو التعرض للممتلكات والرموز الدينية وكرامات الناس وأعراضها.
إن نسيجنا المجتمعي وتآلفنا الديني والطائفي لهو أيضا من الثوابت الوطنية ويأتي في قائمة المحرمات والمحظورات من حيث التطاول والإساءة. فلو أن مقدساتنا باتت قمامة كما يصفها الأستاذ العلامة وإذا ما كنا قد وافقنا على امتهان أساليب التخوين والذم والقدح فإننا من حقنا أن نسأل: ما الفائدة إذا من نضالنا وارتقى أهلنا شهداء وتحملنا لعقود طويلة من القتل والتدمير والاجتياح والمصادرة والسرقة وغياب العدالة وسطوة الاحتلال.
إن فلسطين ليست تورا بورا وليست مملكة حصرية لأحد وليست أرضا بورا لا إنسان فيها ولا أمل ولا رجاء ولا قيم ولا أخلاق ولا غيرة ولا حمية.
وفلسطين ليست المثوى الآمن للجاحدين الناكرين الحارقين وقطاع الرؤوس وقتلة الروح ورجال الضلال والقتل باسم الدين. وفلسطين أيضا ليست دارا للتطرف ونكران حقوق الآخرين والتطاول على كراماتهم وحرماتهم. فما بالنا لو وقف أحدهم لا سمح الله ليسيء للمسجد الأقصى أو للحرم الإبراهيمي أو الجامع العمري فكيف ستكون مشاعرنا ومواقفنا.
إن محاصرة الفكر الضلالي ومدارس التكفير والفتنة لهي واجب وطني يجب أن نسارع إلى القيام به قبل أن تفلت الأمور من عقالها فيصبح الاعتداء المعنوي والفعلي على المقدسات حادثا اعتياديا يغذيه الاحتلال وأعوانه ممن يسعون ليل نهار إلى دب الفرقة في صفوف أهلنا وشعبنا وتضخيم الخلافات وتأجيجها بحثا عن المزيد من التفتيت والتمزيق لمجتمعنا وحرماته ومقدراته التي هي محط فخاره واعتزازه.
إن الاعتداء على المسيحيين والتطاول على مقدساتهم لهو اعتداء علينا جميعا كمسلمين وبشر ولهو تطاول على تاريخنا المشرف وإساءة لمسيرة شهدائنا وجرحانا وأسرانا. كما أنه تساوق مع رسالة الاحتلال التمزيقية التفريقية بصورة تحرم الفلسطيني من كرامته وحريته وطهارة إرثه. فهل نكون معول بناء أم نجلس ملومين محسورين؟
s.saidam@gmail.com