فتح والمقاطعة وسقوط جمهورية الراتب!- د. صبري صيدم
باستثناء الأصوات اليتيمة الخافتة دوليا التي تدعو إسرائيل لفك الحصار المالي عن السلطة الوطنية فإن غياب الاحتجاج الدولي على هذه القرصنة الإسرائيلية الحالية بات السمة الطاغية. فذات الدول التي اعتادت أن تمنح السلطة مالا داعما باتت اليوم صامتة وهي ترى السلطة تتداعى جراء غياب حقوقها في العائدات الضريبية بفعل القرصنة الإسرائيلية على أموال الفلسطينيين. ولا تكتفي إسرائيل بهذا القدر بل تحرك خيوطها في المهجر لتصعيد الادعاء على السلطة لحصد أموال إضافية بفعل ومصادقة المحاكم الأميركية.
وبموجب هذا الصمت المطبق والإجراءات الإسرائيلية الظالمة تتصاعد المواقف الصهيونية وتزداد حممها استعارا بازدياد حمى الانتخابات الإسرائيلية والصراعات الشخصية والفضائحية التي تمتد من قوارير الشراب الخاصة بـ نتنياهو وزوجته وصولا إلى مدبر منزله الخاص الذي فتح النارعلى نتنياهو والجميع.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الذي تريده دول الصمت؟ انهيار السلطة بفعل الاختناق المالي أم استمرار إسرائيل بسياسة القرصنة اللامتناهية؟ أم دوام الاحتلال وبقاء الفلسطينيين تحت رحمة الإعاشات الطارئة وحقن المال المرشدة؟
الإجابة اليوم لم تعد لدى الاحتلال فهو الذي لم يتوان طيلة حياته عن محاولات قتل الفلسطينيين هوية وجغرافية وانتماء، قتل استمر في كل منعطفات الصراع حتى تلك التي وصفها البعض بالذهبية والتي اكتسبت هذا اللقب جراء قناعة واهية بجدية إسرائيل بإنهاء الصراع. فإسرائيل جمدت صراعها مع الفلسطينيين جزئيا بفعل عملية سلام مزعومة بينما كثفت الدسائس الإقليمية
لشرذمة العالم العربي وتقطيعه.
وبين هذا وذاك استمر الصلف الإسرائيلي بمواجهة توجه الفلسطينيين نحو محاكمة إسرائيل على جرائمها بارتكاب جريمة مفضوحة وفي وضح النهار، جريمة تطال أمعاء الفلسطينيين وأحشاء أبنائهم.
وبما أن فاتورة الرواتب هي الحصة الأكبر من قيمة الالتزامات الفلسطينية الشهرية فإن السلطة الوطنية هي بامتياز بمثابة جمهورية الراتب خاصة وأن الحراك التجاري والمالي الشهري لطالما عاد ويعود باتجاه تغذية تلك الرواتب وسدادها.
وبهذا تكون جمهورية الراتب في قلب النيران دونما رادع ولا وازع يلجم جمهورية الاحتلال. وعليه تعود حركة فتح نحو خيارها السابق في تعزيز سلاح المقاطعة بصورة أكثر جدية مما كانت عليه في السابق وعبر خطوات عملية بدأت بتحديد السلع الإسرائيلية المحظورة وصولا إلى تحديد تاريخ اليوم كآخر موعد يسمح فيه لتلك السلع بالدخول إلى السوق الفلسطينية.
إذا الحرب على الأمعاء تواجه بذات الأمعاء الفلسطينية التي يسعى أصحابها لكسر شوكة الاقتصاد الإسرائيلي ورفع تكلفة الاحتلال وتعريته من كل ما يحاول به تجميل ذاته ووقف استماتته في لعب دور الضحية.
لكن الشارع الفلسطيني اليوم أكثر تشككا بنجاعة سلاح المقاطعة خاصة وأن الاهتمام به قد تصاعد خلال الحرب الأخيرة على غزة لكنه ما لبث ومعه الاهتمام الشعبي بالانكفاء مع آخر قذيفة اطلقت على غزة. ولهذا فإن الجميع بانتظار جدية كبيرة ومتماسكة ومتواصلة ومتصاعدة لسلاح المقاطعة باستثناء أولئك المستفيدين تجاريا ومعنويا من استمرار تدفق البضائع الإسرائيلية.
ولو كنا فلسطينيا قد طبقنا مفهوم العين بالعين والسن بالسن ومنذ البداية لما كان الاحتلال قد تمادى إلى هذا الحد. لكن يقال دائما: أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا! لذا فإن شأن المقاطعة لن يدوم إلا باستدامة الموقف وتماسكه وانضمام كامل شرائح المجتمع إليه بالقول والفعل مدعمين بالنية المتزايدة نحو هدم الاحتلال معنويا وميدانيا.
فهل ترتفع وتيرة معركة الأمعاء الصامدة؟ أم أن نعيش طفرة من الحملات تنتهي من جديد مع كل انفراج سياسي؟ المسؤولية علينا جميعا بالقول والفعل والالتزام حتى لا تبقى جمهورية الراتب هدفا مستداما لهواة السياسة في تل "أبيب"!
s.saidam@gmail.com