لا تراجع ولا مقايضة
ليست الانتخابات الاسرائيلية المقبلة، هي اول انتخابات في ظل مسيرة السلام المتعثرة، حتى يطلب من الفلسطينيين ان ينتظروا نتائجها، لعل أملا جديدا يتفتح ثانية من اجل تلك المسيرة ألا تبقى متعثرة، وهي في الواقع اكثر ذلك، وحالها حال الميت الذي لم يؤبن بعد، لأن الشريك الاسرائيلي قد غاب تماما، وما زال يغيب على نحو ما يريد اليمين العنصري الاستيطاني المتطرف، وهو اكثر حضورا اليوم في المشهد السياسي الاسرائيلي.
ولعله من المعيب تماما ان يصبح التسابق والتنافس " الديمقراطي " في هذه الانتخابات، هو تسابق وتنافس على تخليق المزيد من المعاناة والالم للشعب الفلسطيني، وتخليق المزيد من المعضلات لحياته اليومية، الى حد محاولة فرض الفاقة عليه، بالقرصنة العلنية لأمواله وسواها من السياسات التعسفية، والمؤلم ان حماة الديمقراطية في العالم الحر لا يرون في ذلك عيبا، والاخطر انهم لا يرون فيه عملا سياسيا يستهدف في الاساس الاجهاز على التطلعات الفلسطينية المشروعة في الخلاص من الاحتلال وانتزاع الحرية والاستقلال، وفي هذا السياق ثمة من يتوهم انه بالامكان بعث الحياة مجددا في معادلة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لادارة الصراع، قوامها مقايضة التطلعات الفلسطينية باهدافها المشروعة، بفاتورة الرواتب وغيرها من الحاجات الاقتصادية. .!!!
لا يريد نتنياهو في هذه المعادلة غير " شراء الزمن " لتعزيز الاستيطان، وهذا ما يحتاج الى سوق استهلاكية فلسطينية، بثقافة الاستهلاك المنحطة، التي لا تعرف شيئا عن ضرورة الدولة التي هي وعي الحرية وضرورتها، وهذا هو جوهر معادلة نتنياهو التي اطلق عليها اسم السلام الاقتصادي. .!!
ما يريده نتنياهو ومعه اليمين العنصري الاسرائيلي المتطرف ليس قدرا بطبيعة الحال ولا هو ممكن ولا باي حال من الاحوال، فالارادة الفلسطينية بقيادتها الشرعية، وبمشروعها الوطني التحرري، ليست قابلة للمساومة ولا للتراجع ولا هي بأرجل مرتجفة وتعرف ان الحرية ليست دونما ثمن، وان شعبها هو بالحق شعب الصمود والتحدي والمواجهة ايا كانت اشكالها وتفاصيلها.
ومن الواضح ان العالم باسره يدرك ذلك جيدا، ومن النزاهة والموضوعية القول ان الولايات المتحدة الاميركية، حين تلمست ذلك وادركته قد حاولت وان يكن بانحياز اوضح لجانب اسرائيل، ان تدفع بحل الدولتين الذي اقترحته خطوات الى الأمام خاصة مع جهود الوزير جون كيري، هي جهود قدرناها كثيرا وما زلنا نقدرها، غير ان اسرائيل نتنياهو قد احبطت كل هذه الجهود وبصفاقة لا مثيل لها، ومن النزاهة والموضوعية هنا ايضا، ضرورة القول انه ان الاوان ان يكون هناك اطار اوسع من الاطار الاميركي لرعاية عملية السلام اذا ما أعيدت الحياة لمسيرتها ثانية، إطار بوسعه المراقبة وفرض الحل وفق قرارات الشرعية الدولية والتحكيم النزيه وقت الخلاف والتنازع المشروع في اطار الحل المنجز.
لبس ثمة فرصة أبدا بعد الآن للمفاوضات المباشرة ولم تعد عبارة ( على الجانبين اتخاذ قرارات مؤلمة ) مناسبة في الخطاب الدولي الراهن لأنها لم تعد ذات معنى, لأن الجانب الاسرائيلي ليس في هذا الواردـ وفلسطين قدمت كل ما عندها من اجل السلام العادل والممكن، ولا بد من الاطار الدولي الواسع والنزيه ليقرر ما على اسرائيل ان تقدم من قرارات لن تكون مؤلمة اذا ما كانت لصالح السلام وحياة السلام في هذه المنطقة.
اما المقايضات الاستهلاكية فلا ينبغي لأحد ان يحلم بها، وطريق الحرية هي بالقطع طريق فلسطينية، وصاعدة أبدا نحو غايتها النبيلة، وحياتها الاكيدة في دولة فلسطين الحرة المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
رئيس تحرير الحياة الجديدة