كلمة السر الفلسطينية، وعُقدة الأمن الإسرائيلي .. د.مازن صافي
ثمة قدر كبير من الانطباعية لدى الجمهور الفلسطيني أن الأسابيع القادمة ستحمل الكثير من الأحداث، وهناك قناعة تامة أن الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس أوباما قد تسببت بالإخفاق الكبير على مستوى إدارة ومخرجات الصراع، وهناك أيضا إشارات واضحة انطلقت أمس من شوارع "تل أبيت" حين خرج عشرة ألاف إسرائيلي يصرخون في وجه رئيس الحكومة الإسرائيلية "عًد إلى البيت لقد فشلت"، ووسط كل هذا الضجيج والحرائق السياسية والدماء النازفة خرج الرئيس الفلسطيني محمود عباس منتصرا في إدارة المعركة في اللحظات الأخيرة، فلقد حصل على إجماع فلسطيني بالقرارات التي وردت في البند الخامس من قرارات المجلس المركزي، وحدد مهام السلطة الوطنية الفلسطينية، وتحولت مسألة القرصنة الإسرائيلية للأموال الفلسطينية إلى خيار يشكل عًقدة للإدارة الأمريكية وللاحتلال الإسرائيلي وهي "عًقدة الأمن"، فمجرد مناقشة الإقدام على وقف التنسيق الأمني فورا، يعني باختصار الانتهاء الفعلي من كل التزامات (أوسلو) .
للتعمق في قراءة الوضع الحالي علينا أن نعيد قراءة السياسة التي رفع لواءها زبغنيو بريجنسكي مستشار الأمن للقوي للرئيس الأمريكي ريغان، والتي تنطلق من سياسة تجفيف موارد م.ت.ف، ورفع في وجهها البطاقة الحمراء تمهيدا لإخراجها من المشهد السياسي، وعلى الصعيد الإسرائيلي كان "شامير" الذي تميز بتطرفه الأيدلوجي تجاه العرب والفلسطينيين ، يرفض أي اعتراف بـأي دور للمنظمة في المنطقة، وكان يلوح بأفكاره أن ما يمكن معالجته تجاه القضية الفلسطينية هو منح السكان حكم ذاتي ومع عدم اعتبار الأراضي المحتلة منذ العام 1967 موضع صراع، أو تحت الاحتلال .
كلمة السر الفلسطينية في إدارة المرحلة السابقة كانت منظمة التحرير، وانطلق مؤتمر مدريد، وبشروط أمريكية، ومنها مبدأ الأرض مقابل السلام، وتطبيق الشرعية الدولية على أساس القرارين 242،338، وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وكل هذا تحت مظلة الأمن والسلام لـ"إسرائيل"، وبرغم كل هذا الإجحاف والظلم والتفرد الأمريكي، رضيت المنظمة بالدخول في الملعب السياسي وتفعيل وتسخين ملف القضية الفلسطينية وإعادته للواجهة الدولية، وإجبار الإدارة الأمريكية أن تلغي البطاقة الحمراء، وأن تمارس م.ت.ف دورها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وكان "اتفاق أوسلو" الذي تم التوقيع عليه وتم تسمية السلطة الوطنية الفلسطينية كبوابة أراد بها الفلسطينيين الوصول إلى الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وحق تقرير المصير وجملة ملفات أخرى مركزية، وأصبحت المنظمة واقع سياسي ولاعب رئيس في المنطقة ولم تعد ملحقا أو في غياهب النسيان أو التناسي أو التغييب .
لقد وجدت السلطة الوطنية الفلسطينية كنتائج لكل ما سبق، ولقد كانت الخطة الاستيراتيجية الإسرائيلية – الأمريكية، تفضي الى قيام السلطة الفلسطينية الوطنية وتغييب دور م.ت.ف، لما في ذلك من تأثير على القضايا التي تتحمل مسؤوليتها ومنها قضية اللاجئين، وجاء عقد اجتماع المجلس المركزي وقراراته ليقلب الطاولة ويكشف الحقيقة الناصعة أن السلطة هي وسيلة الوصول وليست اللاعب الرئيس وان إدارة الصراع لا يخرج من أوراق المنظمة الأم الكبيرة لكل المسميات الفلسطينية الأخرى.
الإدارة الأمريكية أصبحت على يقين تام أن (إسرائيل) لن تصمد أمام تنفيذ المجلس المركزي لقراراته، ولهذا أيضا استبق الاحتلال اجتماعات المجلس المركزي بإجراء مناورات عسكرية واسعة في الضفة لغربية شارك فيها 15 ألف جندي، وأعادت فيها مشاهد استعداداتها لمواجهة الفلسطينيين المحتملة قبل إبداع انتفاضة الأقصى، وهددت بأن حرب موسعة ضد قطاع غزة ستتم خلال حكم الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
إن استمرار (إسرائيل) في سياستها، وقرصنة الأموال وفرض الحصار وشن عدوان جديد في ظل تعطل الإعمار وسخونة الأوضاع في المنطقة سوف يؤدي إلى الانهيار الأمني الشامل، وهنا ليس أمام م.ت.ف إلا الاستعداد لقيادة شاملة لزمام الأمور محليا وإقليميا ودوليا.
السؤال هنا : هل يتوقع ان تتدخل الولايات المتحدة لنزع فتيل الانفجار أياً كانت نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، أم أنها فقدت السيطرة على أوراق اللعبة في المنطقة.؟!