مفارقات الانتخابات - عمر حلمي الغول
صندوق الاقتراع الاسرائيلي للكنيست العشرين جدد الفوز المبدئي لرئيس حزب الليكود، وأعطاه الضوء الاخضر لمواصلة رئاسة الحكومة القادمة او الحكومة الرابعة تحت قيادته. صوت الاسرائيليون لصالح حزب الليكود، فاعطوه ثلاثين مقعدا صافية دون شراكة مع اي قوة يمينية اخرى. في الوقت، الذي اعطى المعسكر الصهيوني 24 مقعدا. الامر الذي يؤكد، ان الشارع الاسرائيلي إختار نتنياهو دون هيرتسوغ لولاية جديدة للحكومة. وهو ما يعني، ان الناخب في دولة التطهير العرقي الاسرائيلية يميل للقيادات الفاسدة، التي تأخذه إلى شفير الهاوية والحرب.
نتنياهو، الذي اساء الامانة، واستخدم الكذب والتضليل في إدارة الدولة الاسرائيلية خلال السنوات الست الماضية، رغم تعاظم العزلة الاسرائيلية في العالم؛ وازدياد نسبة الفقر؛ وارتفاع اسعار الشقق؛ وزيادة دعم الاستيطان الاستعماري على حساب رفاة المجتمع الاسرائيلي داخل الخط الاخضر؛ وضرب المعايير الثقافية والادبية بجائزة إسرائيل؛ وتعميق الخلاف مع الولايات المتحدة؛ وإدارة الظهر للسلام والتسوية السياسية؛ وإتساع دائرة الخطر على إسرائيل؛ عدم إقرار الموازنة؛ فضائح الفساد المالية المتعاظمة في بيوته، وإستخدام المال العام لصالح البيت الخاص في قيسارية. هذا النتنياهو، عاد الشارع الاسرائيلي التصويت له، ومنحه بقوة البقاء في إدارة شؤون الدولة. مما يؤكد، ان المجتمع الاسرائيلي أسير الوعي اللصوصي المركب، الذي انتجه المشروع الصهيوني الاستعماري، وبات يحكم الصهاينة في خياراتهم. فاسقط القيم والاخلاق والمعايير الديمقراطية الحقة في سلة مهملات دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية، وإنتصر المجتمع المنتج للاحتلال والعدوان وجرائم الحرب للرجل الاكثر فسادا، رياءا، كذبا وعنصرية ومعاداة للسلام.
تراجع شركاء نتنياهو في الائتلاف الحاكم حتى كاد ذلك البلطجي المافيوي، زعيم حزب إسرائيل بيتنا، أن لا يتجاوز نسبة الحسم، فحصد بالعافية خمسة مقاعد. وهو الذي كان يريد إقصاء العرب من الكنيست، فتبنى إقتراح رفع نسبة الحسم إلى 3,25%، الذي اقرته الكنيست المبرة، فجنى على نفسه وعلى اقرانه واقرانه من اليمين المتطرف براقش. كما ان البيت اليهودي، لم يحصد سوى ثمانية مقاعد، بعد ان كان يتربع على 12 مقعدا. المفاجأة كانت من نصيب كحلون، المنشق عن الليكود، والذي حصد عشرة مقاعد. وبات يشكل بيضة القبان في تشكيل اية حكومة لاحقا. وغاب مارزل الفاشي، وايضا حزب "ياحاد" لانهما لم يتجاوزا نسبة الحسم.
غير ان الانتخابات الاسرائيلية كانت في الوجه الاخر من المشهد الاسرائيلي، نقطة تحول مهمة في الوسط الفلسطيني العربي، حيث حصدت القائمة المشتركة على اربعة عشر مقعدا، واحتلت بذلك القوة الثالثة في الكنيست. وهو ما يعني، ان الجماهير الفلسطينية، إنتصرت لذاتها، وصوتت للقائمة العربية الواحدة. وبالتالي ستكون القائمة بالمرصاد للممارسات العنصرية، كما انها ستحتل رغما عن نتنياهو وليبرمان وبينت ومن لف لفهم رئاسة احد اللجان في الكنيست. كما ان القائمة المشتركة يمكن ان تشكل رئاسة المعارضة في حال تم تشكيل حكومة وحدة وطنية.
النتيجة المنطقية، ان الصوت العربي بات مؤثرا اكثر في المشهد السياسي الاسرائيلي. صحيح ليس بالمعنى التقريري، ولكن لم يعد بامكان الكتل الصهيونية من اقصاها لاقصاها تجاوز القائمة العربية. وستعمل الحكومة القادمة، اي كانت مركباتها يمينية خالصة او موسعة، للصوت الفلسطيني الف حساب في اي خطوة ستخطوها.
الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية حملت مفارقات كبيرة ومتناقضة، لكن هذه هي دولة إسرائيل. ولكل دولة من طبيعة نشوئها ومكوناتها نصيب. وإسرائيل الكولونيالية القائمة على التزوير والارهاب المنظم، لها نصيب كبير من تركيبتها.