مدافع الشتيمة والاستغفال في صراخ "حماس"! بكر أبو بكر
الصراخ والصوت العالي والعويل لا يُجدي ، فهو يصمّ الآذان ويكون من نتيجته الاستثارة للنوازع وغالبا ما تكون للنوازع الشريرة كالحسد والكراهية والبغض والنفور والحقد، وهو ما تفعله الكلمات المشحونة بالغضب والتُهم، وكثير من الأكاذيب والتلفيقات، فما بالك وهذه الأكاذيب تنطلق من لسان شخص يفترض في نفسه أنه ما ينطق عن الهوى، وعلى اعتبار أنه (رسول) البشرية المنتظر، هو وفصيله (تنظيمه). لذا فلا بأس-كما يرى- أن يتلبس القدسية الموهومة في كل ما يقوله من قبائح يُضفي عليها (القدسية) لمجرد أن له لحية طالت أو لحية شابت، أو بمجرد أنه يردد بضع آيات لا يفقه معناها أوبضعة أحاديث شريفة في غير مساقها، وكما حصل منذ فتنة الخوارج حتى يومنا هذا.
الصراخ والصوت العالي بحد ذاته (حُجة) المفلسين وحجة المحشورين في زاوية كالقطط تخرمش في مثل هذه الحالة.
في أيامنا هذه فإن لجوء نواطق جماعة "حماس" وحكومة الانقلاب، التي ما زالت تحكم غزة منذ عام 2007 لأساليب الصراخ والاتهام المباشر لمخالفيهم (لطالما تحدثنا وكتبنا استنادا لأفواههم عن الشتائم واتهامات العمالة والكفر وغيرها... وهل بقي شيء؟ )، التي يضيفون عليها بين الفينة والأخرى أسلوب التأليف الفاشل والتمثيل المضحك وما هذا بعجب، وإنما العجب أن يتم عرض ذات المسلسل أوالمسرحية مرارا وتكرارا رغم فشلها كل المرات، وكأنهم يعتقدون أن تكرار ذات الأسلوب الفاشل كل مرة قد يؤدي لنتيجة ايجابية وانتصار، في فساد منطق وتفكير.
من مفردات الصارخين أصحاب الافتراءات بلا شك سوء الظن بعقول الناس الى درجة أن تتقبل التلفيقات والمسرحيات المكرورة، رغم ان حركة حماس فيها من العقلاء من تحدثت عنهم مطولا وهم ممن ينأون بأنفسهم عن الخوض في هذا المستنقع، ولكنهم اذ ينكفئون أو ينحنون كل مرة أمام العواصف الثلاث سواء عاصفة التكفير أو التخوين أو التدجيل عبر المسرحيات السمجة، فإنهم محاسبون أمام ربهم وشعبهم لا يكفيهم الصمت أو الوقوف على الحياد.
من الطبيعي أن التكرار يُعلّم الشطار كما يقول المثل، ولكنه التكرار الصحيح لتجربة أو لفعل ناجح وليس لعرض بلا جمهور ، إلا ان كان الجمهور المقصود هو جمهور الحزب معصوب العينين.
السؤال المطروح لدينا هنا هو عن متعة الصراخ والشتم المقذع والمعيب التي يتميز بها أولئك من ملوك الفضائيات العربية عامة، وبعض نواطق "حماس"، الذين يضيفون لذلك متعة الاتهام المنكر، وكأنهم يعيدوننا الى عصر الهجاء المقذع في الشعر والتاريخ العربي، ولكن اليوم من على شرفات وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات المتخصصة بإثارة البغضاء وتشتيت الأمة.
لم أفهم حتى الآن ماذا تستفيد حركة حماس-بعض النواطق- من استخدام تقنيات (الصوت العالي والصراخ) أو متعة (الشتائم والاتهام)؟ أو ماذا تجد في (لذة احتقار عقول الناس) أو تكرار المسرحيات ذات النهايات المتوقعة، وهي التمثيليات المكرورة التي لا تخرج عن هدف أو افتراض امكانية كسب جمهور جديد، وكأن المخرج (يتعلق بجبال الهواء).
ان عقلية الشعور بالظلم الدائم (المظلومية) ما هو أصيل في التعبئة الداخلية لدى "الاخوان المسلمين" وعدد من التيارات الاسلاموية، ومنهم في التعبئة الداخلية في حماس، يستند لفرضيات أنهم على حق مطلق، لذا يقسمون 7 مرات على الولاء للتنظيم وليس لله أو في سبيل الله، وإنما في سبيل الدعوة الاخوانية، وبما أنهم على حق مطلق دوما، فهم بالتبعية لا يخطئون وإن فسقوا وفسدوا وكذبوا وقبحوا، فكله مبرر دينيا بحيث أن ذلك ينتج فسقا وقباحة وفساداً مشرعناً، وحاشا للدين الاسلامي أن يكون كذلك، ولكن التعبئة الداخلية كذلك.
يؤمن المنتمي للجماعات الاسلاموية أن دعوته على حق، وبالتتابع فقائده على حق دوما بلا نقاش (الطاعة في المنشط والمكره أو كالميت بين يدي المغسل)، وتنازليا فهو على حق، ونتيجة لذلك فالمخالف مهما قال فهو على باطل، ومن هنا تنشأ أفكار القداسة والمطلق والصواب الأوحد والتنزيه والرسالية، وكأننا نتعامل مع آلهة صغار يمشون على الأرض، أو هكذا يرون أنفسهم ويُسقِطون ذلك في روع أعضائهم وأنصارهم وعموم الجهلة، ويستخدمون كل وسائل الارهاب الديني والفكري -بل والمادي ما تمكنوا من ذلك- ضد مخالفيهم سواء عبر تدبيج الكلام بالموروث بلا عقل، أو باستخدام تقنيات أو مدافع الشتم والاتهام وتقنيات الاحتقار لعقول الناس.
عقلية (المَظْلَمة) لدى التيارات الاسلاموية تعيش في ظل تفسير فاسد أنهم (على حق) دوما، وما اضطهادهم إلا (مِحنة) من الله، وليس لسوء فكرهم أو تعبئتهم أو أدائهم أو أي من مواقفهم أبدا التي تحتاج لإصلاح ومراجعة، (إلا من رحم ربي من الناقدين القلة فيهم)، وكيف يكون ذلك وهم ينقلون عن الله مباشرة (على اعتبار أن جماعتهم كذلك)، وبما انهم مظلومون رغم أنهم مقدسون وعلى صواب لذا فهم في محنة ، هكذا هي المعادلة؟
انظر خطاب "المحنة" و"الظلم" لدى "الاخوان" منذ أيام الملك فاروق في مصر حتى اليوم دون مراجعة أواعتراف بفشل أو تقصير أو نقد ذاتي، أو تصويب مسار، وبناء عليه فليس أمامهم في حالة المحنة والمظلمة إلا خيار الركون والسبات والموات وهو ما فعله "الاخوان" طويلا، أو قصد سبيل (التمكن) كما حصل من التنظيمات المتطرفة المنشقة على الاخوان، ثم من "الاخوان" أنفسهم في عدد من النماذج الفاشلة التي حكموا فيها أو سادوا (مثال افغانستان والسودان وغزة ومصر... ).
والنموذج الذي يلطمنا يوميا في فلسطين هنا هو المتعلق بتنزيه الذات والمطلق والحق الدائم فيما تفعله "حماس" في استخدامها تقنيات أو مدافع الشتم والاتهام والتلذذ بتكرار ذلك، فهم-كما يرون- دوما على صواب بكل ما سبق، وأولئك (أي كان من مخالفيهم) على الباطل دوما، سواء دينيا أو سياسيا والبابان منفتحان على بعضهما البعض، ومهما فعل الصائبون أبدا كما يرددون فهم الصواب والآخر ينال كل أنواع الشتم والاتهام.
قراءة د.محمود الزهار المجتزأة للتاريخ في نقده لحركة فتح لا تحتمل سياقاً تحليلياً علمياً تاريخياً بقدر ما تمثل فكرة مسبقة منحازة ضد الحركة، قد نتفهمها، فهو يدافع عن تنظيمه ويعمل على تجميله على حساب تصغير الآخرين، أما المسرحيات والصوت العالي والصراخ والشتم والتكفير أو التخوين من بعض النواطق الذين لا يملون، فكيف نراه؟
وفي مثل السياق التحليلي البائس لعقلية المظلومية والقداسة والتمكين يأتي اتهام حركة فتح أنها (عميلة) للاحتلال ؟! وأنها تخرب غزة فتطلق النار على رجليها هناك؟ وفي أنها سبب سوء علاقة "حماس" مع مصر متناسين ما يطلقونه يوميا على فضائياتهم من اتهامات للرئيس السيسي يوميا، ووصف نظامه بالانقلابي ليلا نهارا، كما هو الحال في تعاملهم مع الإعلام والقضاء المصري، وحركة فتح والرئيس أبومازن، وبأساليب معيبة تلك التي يأبى الأحرار عن التلفظ بها، ناهيك عن تمجيد نظام المخلوع مرسي في فن جديد يتقنه هؤلاء هو فن الكذب على التاريخ، وفن كسب الأعداء والخصوم ما هو نتيجة بالضرورة لفكر (المظلومية) و(القداسة) و(المحنة) و(التمكن) و(الولاء والبراء والاستعلاء) من وعلى المخالفين أياً كانوا.