قمة القرار العربي-يحيى رباح
شكراً للعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، صاحب الخبرات المتراكمة، والحسابات الدقيقة، والشجاعة المشهودة، الذي وجه رسالة التقطها العالم كله دون استثناء، حين أصدر أوامره الواضحة بانطلاق "عاصفة الحزم" ضد كافة القوى المحلية والإقليمية التي استسهلت – من خلال طموحاتها غير المشروعة – فكرة الاعتداء الصارخ والمكشوف على الأمن القومي العربي، وزين لها الغرور الطائش أنها يمكن أن تنقل العدوان الطائش إلى البحر الأحمر الذي هو خط التواصل العالمي عبر قناة السويس المصرية بين أوروبا وأفريقيا وآسيا، وخط التجارة العالمية، وممر الأمن الشامل لهذه المنطقة والعالم، وطوال الشهور الماضية وأنا أتابع الحوثيين في اليمن الذي كان آباؤهم أكثر حكمة وعمقاً منهم ألف مرة، يتخطون الخطوط الحمراء، ويدخلون أنفسهم في لعبة إقليمية ودولية ساحقة، دون أن يتضح إن كانوا يعرفون ما الذي يفعلونه أو لا يعرفونه.
القرار السعودي الشجاع بإطلاق "عاصفة الحزم" تطلب صبراً يفوق الصبر نفسه، وتطلب تقدير موقف سياسي وأمني وعسكري، وتطلب استثمار الوقت إلى أعلى مستوى، فقد انطلق هذا القرار الكبير قبل يومين من بدء القمة العربية في شرم الشيخ في مصر، وقبل أقل من أسبوع على الموعد المقرر لإنهاء محادثات الدول الخمس زائد واحد مع إيران حول ملفها النووي، وهي محادثات يعرف كل الذين يعملون في السياسة أن الملف النووي الذي تحوم حوله شبهات متناقضة ليس سوى العنوان الظاهر لتلك المحادثات الطويلة، وأنه تحت هذا العنوان تفاصيل أخرى وموضوعات أخرى أكثر خطورة وأكثر بعداً في المدى، تتعلق بالأدوار التي تطمح إليها دول أعماها طموحها عن رؤية الحقائق الأساسية.
كما أن القرار السعودي، الخليجي، العربي، بانطلاق "عاصفة الحزم" تطلب أيضاً مشاورات بصوت خفيض مع مفردات النظام الإقليمي العربي من المغرب إلى الكويت بما في ذلك بالطبع، مصر والأردن والسودان على مداخل البحر الأحمر الشمالية، والمجموعة الخليجية، والباكستان كاحتياط له معنى خاص، ومشاورات مع مفردات المجتمع الدولي، ولكن تحت عنوان محدد وهو أن المملكة العربية السعودية كأبرز قلاع الأمن القومي العربي لا تستطيع أن تنتظر أكثر، ولا تستطيع أن تسمح للتقدم الحوثي بتحالفاته المعروفة أن يتقدم أكثر، ولذلك جاء الرد الأميركي والأوروبي، ليس بإعطاء الإذن – كما هي العادة – ولكن بالاستجابة إلى الضرورات الملحة للحليف العربي وهو السعودية وحلفها العربي القوي والجاهز، وأن المملكة العربية السعودية على رأس أشقائها العرب هي التي قدرت الخطر، وحجم التحدي، وهي التي قررت الاستجابة بهذا القدر من الإعداد الجيد، والحشد المناسب، والتوقيت الحاسم، وليس إضاعة الوقت في التأويل انتظاراً لمصالح الآخرين.
لقد خدمت لسنوات طويلة في اليمن كسفير لفلسطين، ولدي قدر من المعرفة بتركيب اليمن القبائلي والمناطقي والطائفي، وأهمية استقرار اليمن لصالح المنطقة ولصالح الأمن والسلم العالمي، فاليمن لها حدود بحرية تزيد عن ألفي كيلومتر على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر بما فيها من جزر صغيرة وكبيرة، وبما فيها مضيق باب المندب، وخليج عدن، وصولاً إلى بحر العرب على مداخل المحيط الهندي، وأن المكان اليمني كان دائماً تحت نظر القوى الكبرى، وتحت نظر الدول العربية الأكبر السعودية ومصر والسودان لأنها أول من تتأثر بأي نوع من الاضطراب، وكان اليمنيون من أبناء الطائفية الزيدية قد انطلقوا لبناء دولتهم من صعدة في أقصى الشمال اليمني، وكانوا دائماً يعتزون بأنهم أقرب فصائل الشيعة إلى السنة، فهم فقهياً نادوا بجواز إمامة المفضول، علي أفضل من جهة النسب لرسول الله من الخليفة الأول أبو بكر، ولكن يحق لأبي بكر أن يكون الخليفة، ما دام هذا فيه مصلحة للأمة، وهم يرون أيضاً أنه في مجال الاجتهادات والاختلافات المذهبية، لا بد من تطبيق القواعد أولاً، أي المتفق عليه بين المذاهب والفرق الإسلامية، وهذا المتفق عليه يزيد عن خمسة وتسعين بالمئة، ثم نتحاور حول ما هو مختلف عليه، أي أن لهم عقلاً مرناً ومنهجاً متعدلاً.
بعد الوحدة التي تحققت في الثاني والعشرين من أيار 1990 بين شطري اليمن الجنوب والشمال بسبب رغبة عميقة في التوحد وتداعيات انهيار النظام الدولي السابق، انتشرت الأحزاب في اليمن، وكان من أبرزها حزب الحق الذي أسسه القاضي أحمد الشامي، وهو الحزب الأم الذي انشق منه الحوثيون الذي أسسوا ما أصبح يعرف باسم أنصار الله، ولكن شتان ما بين الآباء والأبناء والأحفاد، ويبدو أن هذه ظاهرة تغزو المنطقة العربية إلا من رحم ربي.
في الأربع سنوات الأخيرة، انقلب الحوثيون بتحريض من حلفائهم الإقليميين على كل قواعد اللعبة، حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه ابتداء من خريف 2014 ثم استمرار التدهور وصولاً إلى الاستيلاء على العاصمة صنعاء، وصولاً إلى مدن الموانئ في الحديدة والمخا بالقرب من مضيق باب المندب، والوصول إلى تعز والتقدم إلى لحج من محافظات الشطر الجنوبي سابقاً بل والتهديد بالوصول إلى عدن.
ما هي الحسابات؟
لا أعرف، لكن اللعبة أصبحت تتداعى من تلقاء نفسها دون إرادة من الأطراف اليمنية، فقد فرطوا في المبادرة الخليجية، وقفزوا عن مخرجات الحوار، وفي اعتقادي أن الحوثيين اصبحوا يلحقون بالأحداث ولا يصنعونها، وإلا لكانوا توقفوا والتقطوا الأنفاس لكي يتاح لهم هضم ما حققوه من انجازات ما كانوا يحلمون بها، ولكن على ما يبدو أن الإرادة غائبة والقرار هناك وليس في أيديهم، وهذه مأساة أخرى، لأن إيران التي تفاءل المسلمون بثورتها على الشاه في عام 1979، فعلت كل ما تستطيع لتحويل الشيعة العرب الذين هم مكون رئيسي من مكونات الأمة، حولتهم إلى مجرد جاليات إيرانية، وهذا هو انقلاب الموازين المجنون.
إذاً جاء القرار الحاسم، في التوقيت الحاسم، على يد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، بحلف إقليمي وعربي ناضج، وبانتباه شديد من القوى الدولية التي تعرف بدقة أن أمن البحر الأحمر الذي استدعى وجوداً أميركياً وبريطانياً وفرنسياً مكلفاً جداً، لا يتحقق إلا بإرادة المملكة العربية السعودية وحلفها القوي، وأن أمن قناة السويس كمعبر لأهم تجارة دولية في التاريخ إلا برضى مصر وحلفها العربي، وبالنسبة للحسابات الإستراتيجية، فإن الدول الكبرى تجيدها تماماً، ولذلك جاء رد الفعل على "عاصفة الحزم" سريعاً جداً، وواضحاً، وإيجابياً، وها نحن أمة تستطيع أن تأخذ قرارت صعبة وبالغة الأهمية، ووظيفة القمة اليوم أن تعطي لآليات القرار العربي الاستراتيجي كل عناصر الثبات والديمومة.
Yhya_rabahpress@yahoo.com