قمة في الصميم
لم يشهد العرب بعد قمة اللاءات الثلاث، التي عقدت في الخرطوم عام سبعة وستين من القرن الماضي، مثل هذه القمة التي عقدت بالامس في شرم الشيخ، الاسباب عديدة من حيث عودة الروح لفكرة الامن القومي وضرورتها، في مواجهة التحديات التي تواجهها الامة العربية، ومن حيث طبيعة الاستجابة لهذه التحديات، التي تبدو الآن واعدة تماما، على قاعدة قرار المملكة العربية السعودية، ومجلس التعاون الخليجي، والعديد من الدول العربية، الذي استهدف بتحركاته العسكرية الاخيرة الحفاظ على امن ووحدة اليمن واستقراره ودعم الشرعية فيه، مع التشديد على ضرورة الاستجابة لدعوة مجلس التعاون الخليجي، من اجل الحوار باعتباره " السبيل الامثل لتحقيق الاستقرار في اليمن" مثلما جاء في كلمة الرئيس ابومازن امام القمة، ثم هناك التجربة الواسعة والمريرة في العمل العربي المشترك طوال السنوات الماضية، التي جعلت من القمم العربية الكثيرة مجرد لقاءات بروتوكولية ومخرجات اعلامية، هذه التجربة في قمة شرم الشيخ باتت دون مراجعة مباشرة على ما يبدو، موضع تقريع ونقد، ورئيس القمة، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يختتم كلمته بـ "تحيا الامة العربية" ثلاث مرات.
ولأن عودة الروح الى فكرة الامن القومي العربي، هي عودة الروح لمشاريع الامة النهضوية والتحررية، دون تلك التنظيرات والتحزبات الفاشية، ودون تلك الادعاءات الاذاعية الاعلامية الكبيرة، التي حررت كواكب كثيرة قبل هذا اليوم، وكي لا نبدو اننا نتعجل بتوقعاتنا الايجابية في هذا الاطار، سنقول ان هذا الامر كان وسيبقى هو امر التطلع في المحصلة، لكنه التطلع المستند اليوم الى طبيعة الاوضاع الجديدة التي باتت تتخلق في الساحة العربية، من حيث الانتباهة المصرية السعودية على وجه التحديد لطبيعة التحديات التي تواجهها الامة، والاهم من حيث طبيعة الاستجابة لهذه التحديات، ولأن فلسطين تدرك قيمة عودة الروح هذه لفكرة الامن القومي، لأنها الاشد احتياجا لهذه العودة، فان الرئيس ابو مازن قال كلمتها الواضحة بكل النقاط التي على حروفها وكلماتها البليغة، بتنبيهاتها الصريحة، التي ما عادت تقبل تأجيلا ولا من اي نوع كان، فالقدس في الربع الساعة الاخير من عملية تهويدها، وهي اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومشروع الاحتلال هو مشروع التدمير للقضية الفلسطينية، وتصفية الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني، بدويلة في غزة تهادن الاحتلال لخمسة عشر عاما معلنة (..!!) واستثناء القدس مع حكم ذاتي مسخ في الضفة الغربية ..!!
لا بد ان يقال هنا ان المقياس الحقيقي في النهاية لعودة الروح لفكرة الامن القومي سيظل دائما في الموقف من فلسطين وقضيتها، ان يكون موقفا لا داعما لها على كل الاصعدة فحسب، وانما كذلك في تفعيل العمل العربي المشترك في مستوياته المختلفة لجعل الموقف الفلسطيني موقفا عربيا، بكل ما في الكلمة من معنى وحضور, واقوى دائما في ساحات الصراع السياسي مع الاحتلال، ومن اجل دحره عن ارض دولتنا، خاصة بعد تدويلنا القضية الفلسطينية عبر مجلس الامن الدولي.
وبرغم ان هذا المقياس، هو المقياس الحقيقي حقا في هذا السياق، فان الحفاظ على أمن ووحدة واستقرار اليمن بشرعيته هو مقياس حقيقي اخر، نبني عليه توقعاتنا الايجابية، وننتظر الاجدى والاكثر فاعلية في دعم فلسطين من اجل انتصار قضيتها العادلة، وتحقيق أماني وتطلعات واهداف شعبها في الحرية والاستقلال، وربع الساعة الاخير في مخطط التهويد الاسرائيلي لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، هو في الحقيقة ربع الساعة الاخير في مخطط تمزيق الامة وشرذمتها والاطاحة بمستقبلها, لكن هذا ليس قدرا، بقدر ما تنهض الامة وتستعيد دورها، في التلاحم والعمل المشترك، وهذا ما قالته قمة شرم الشيخ التي نتطلع ان تكون حقا قمة في الصميم.
كلمة الحياة الجديدة -رئيس التحرير