"نتنياهو" وقواعده الخمس - بكر أبو بكر
"نتنياهو" اليوم رغم فوزه وحزبه بالانتخابات الإسرائيلية يجد نفسه وهو يصارع على عدة جبهات داخلية وخارجية، فهو إذ يخوض حربه الداخلية في تشكيله الحكومة المقبلة التي يرجح الكثيرون أن تكون يمينية خالصة، لا سيما أن غالبية قد أيدته من هذه الأحزاب، ومع ذلك فإن مد اليد للمعسكر الآخر ينظر لها المحللون الاسرائيليون كاحتمالية وإن بدت بعيدة، لا سيما أنها تتناسب مع طلب رئيس الدولة، وفي ظل الابتزازات والاشتراطات التي تضعها أحزاب اليمين عليه.
نتنياهو الذي يخوض حربه الداخلية الاسرائيلية اضطر أن يعلن (أسفه) "أقل من اعتذار" عن الاساءات للفلسطينيين داخل الكيان الاسرائيلي، وهم وان لم يقبلوا أسفه، فإنه لم يبد مكترثا لأنه انما يخاطب واشنطن وهي صديقه اللدود هذه الأيام.
نتنياهو الذي سيجد معارضة فلسطينية (من فلسطينيي 48) داخل الكنيست، ومن فلول اليسار قد لا يأبه بذلك، وينصاع لاملاءات اليمين فهو لم يخرج عن هذا المعسكر أصلا، وكل همه وهدفه تعطيل قيام دولة فلسطينية بأي ثمن ارضاء لأحلامه التوراتية المشبعة بالأوهام المرتبطة بالسلطة وجنون العظمة.
إن حرب "نتنياهو" التي يخوضها على الصعيد الخارجي هي حربه ضد واشنطن، وحربه ضد النجاح الفلسطيني في عزل (اسرائيل) وإضعاف مكانتها العالمية، وحربه ضد الوجود الفلسطيني وإمكانية النهوض بشكل جديد قد يضطر معه لدفع الثمن غاليا.
سيُنصّب "نتنياهو" للمرة الرابعة رئيسا للوزراء، ويصبح ملكا من ملوك دولة (اسرائيل) بلا جدال فهو إذ شكل قوة دافعة حقيقية لفكره ومفاهيمه وسياساته خاصة داخليا وبامتداد داخل الكونغرس الاميركي فعليه من المناسب أن نبحر في النظر في طبيعة قوته الدافعة هذه، والقواعد التي استند اليها:
استند "بنيامين نتنياهو" في نجاحاته الانتخابية ليس فقط على قدراته الخطابية سواء في فلسطين أو في اميركا وليس فقط على قدرته على الإقناع بإثارة الفزع وسيئ كوامن النفس، وليس فقط للغته الانجليزية وإنما ارتبط بخمس قواعد أساسية لتشكيل صورته وحصد انتصاراته.
أولا: اعتمد "نتنياهو" على سياسة التخويف للإسرائيليين على اعتبار ان حكومته المتطرفة والإرهابية، والمضادة لإزالة المستوطنات تشكل ضمانة للإسرائيليين أمنا ومعاشا واستقرارا، خاصة لأولئك المستوطنين حراس الدولة الاسرائيلية الثانية في أرض السلطة الفلسطينية، وما يعنيه هذا الخوف والتخويف من ضرورة تكرار العدوان على شعبنا الفلسطيني، ولا يعتبر استثارة الخوف والتخويف جديدا على قادة (اسرائيل) بل استخدمه قبله ملوكهم من قبل أمثال بن غوريون وغولدا مائير وبيغن وجابوتنسكي وغيرهم.
أما القاعدة الثانية: التي استند إليها فهي سرقة التاريخ، وتزويره بفظاظة انطلاقا من أن فلسطين هي أرض "آبائه وأجداده" – رغم أنه ومن يعبر عنهم أغراب عن هذه الأرض اليوم وتاريخيا-أو من يدعي أنهم ملوكه وأنبياؤه، وهي عقيدة إن كان يؤمن بها فإنه أحسن استغلالها في الوجدان الاسرائيلي والعالمي المشدود لترهات التوراة التاريخية.
أما ثالثا وما هو مرتبط بما سبق فإن اعتماد نتنياهو على سرقة وتزوير التاريخ ارتبط بإيجاده الصلة الوثقى بين التاريخي المزور (في التناخ=التوراة وملحقاتها) مع الديني الروحي، فاستطاع أن يؤلب كل المتدينين الاسرائيليين (سيشكلون أغلبية السكان قريبا) المتعطشين لسرقة الأرض والمتعطشين للدماء إرضاء للرب (ضد الغوييم=الأمميين=الأغيار) والمتعطشين للجيوب المليئة بالمال، كما استثار بذلك (اليمين الاميركي الصهيوني) أيضا، وهو بذلك يستجلب حربا دينية "مقدسة" يستخدمها مع الإرهابيين المتطرفين اليهود ضد الحرم القدسي والحرم الخليلي وكل الأماكن التي يدعي صلة اليهود بها في الضفة، وما الضفة جميعها في فكره إلا جزء لا يمكن التخلي عنه لأنها "أرض من يسميهم الآباء والأجداد".
أما القاعدة الرابعة لدى نتنياهو فكانت المناورة السياسية والكذب، وأبرز مثال على ذلك هو طعنه في فلسطينيي الداخل ثم إعلان أسفه عن ذلك كذبا، أو إعلانه عن القبول بدولتين في جامعة (بارايلان) ثم نقضه ذلك في أثناء حملته الانتخابية، ثم انحناؤه أمام اميركا معلنا ثانية القبول بالفكرة بشروط، وما أكاذيبه بشأن امتلاكه أرض فلسطين أو ما يقوله عن "ديمقراطية" (إسرائيل) التي يبتغيها "قومية يهودية" وعشرات القوانين العنصرية والإرهابية عدا عن الممارسات والاعتداءات ضد أهالينا في فلسطين، إلا دليل على كذبه السمج وتناقضه وإيغاله في العدوان، وما هو بذلك إلا يكذب ويراوغ ويلبس قناعين معا ضمن استراتيجية ثابتة لا يتخلى فيها عن حُلمه بان يتوج ملكا (لإسرائيل) وحاميا لحماها ومحققا لتوسعها الإمبراطوري الاقتصادي والسياسي عبر استجلاب صداقة العرب كمقدمة لضرب عدوه الأكبر ممثلا بإيران.
إن القاعدة الخامسة في فكر نتنياهو الذي أوجد (مكان تحت الشمس) أن لا دولة فلسطينية مطلقا إلا كمعازل (كانتونات) تخترقها الدولة الإسرائيلية الثانية في الضفة (أي دولة المستوطنين)، وهو في كل ذلك لا يتخلى عن صفته السياسية الثابتة بأنه شخصية زئبقية مراوغة متلونة غير موثوقة أبدا.
لذلك وكي لا يتوه الفلسطيني مقابل الإسرائيلي فإن عليه أن يتوجه بقوة لنفض يده من هذه الحكومة الصهيونية المتطرفة المقبلة، وأن يحزم أمره، فالأمر جلل والإستراتيجية الجديدة المختلفة يجب أن تُرسم سريعا.