رطننا ثقافة أم إنستغرام - د.مازن صافي
في كل مرة أسمعه، أجده يكرر عباراته التي تثير فضول الحضور "الجدد" وتساؤلات الحضور "الدائم" ، الجديد ينبهر بأن هناك متحدث فنان استطاع أن يخرج مكنونات الأفكار ويوظفها بحيث تجد القبول النفسي والعقلي لديه، نعم إنه الوعي وإنها الثقافة وهي المعرفة، هكذا يمر التشخيص دون أن يتم التوقف عند الأدوات وطرق توظيفها، والمفاهيم وطرق تحليلها، والخطط وطرق تبسيطها، والمشاكل وطرق تجزئتها وفصلها، ولكن مجرد الكلمات الكبيرة تصبح مدعاة للإعادة مرة تلو الأخرى، فيشعر "الجديد" بعد فترة بالرتابة، وحلقات مفرغة تعشش في ذهنه، ويقفز السؤال الأهل، كيف وماذا بعد ..؟!
هل يكفي التوصيف، هل تكفي الخطب الإنشائية، هل يكفي التشخيص دون وجود العلاج والمعالجة الناجحة، في كل الأحوال، البيئة اليوم، ليست بيئة الأمس ولن تكون الأدوات هي نفسها التي كانت بالسابق، برنامج "انستغرام" يشعرك بالمتعة، والفيبر يشعرك بأن هناك الكثير من الممكن دون تكلفه باهظة، وشبكات التواصل الاجتماعي حولت العالم كله الى "غرفة صغيرة" الأسوأ في هذه الغرفة أن كل شخص لا يسمع الا صوته ويعتقد أن لا أحد يراه، وفي الحقيقة ان كل من في الغرفة يتشاجرون ويتضاحكون ويبيحون بأدق الأسرار لبعضهم البعض ويمكن اختراق كل ذلك بواسطة من يملك مفتاح الغرفة، بذلك تحولت الأسرار الى عرض مرئي غير ظاهر لك ولكن هناك من يسجله ويشاهده ويتعامل معه وفق برامجه .. أين هنا الثقافة، اذا كان عدم القدرة على دخول هذا التطور يعتبر من معيقات التثقيف ومواكبة الحياة وتطورها الدراماتيكي والمتسارع ..
لغة الإشارة تدمج كل اللغات الأم، ويكفي أن تحترف القدرة على استخدام لغة الإشارة لكي تدخل عالم آخر مجهول لدينا يطل على حياتنا وأحيانا لا نراه ولكنه يشاهدنا وربما يملك الكثير من الأفكار لكثير من مشاكلنا، مشكلتنا أننا لا نسمع إلا صوتنا وأنفاسنا ولا نعجب إلا بالظل الذي يرافقنا بسبب سقوط الشعاع علينا في وجود الضوء وجسمنا المعتم، وفي حال ذهب الضوء لن نجد الظل، نحن نتأثر بالأدوات المتوفرة، وننتظر إعادة توفيرها لكي نبدأ من جديد، وفي الفترة الفاصلة نأخذ "استراحة" غالبا ما تضعنا في فوضى الوقت وعدم القدرة على إيجاد البدائل، والمفارقة أننا نفشل في استخدام لغة الإشارة كوننا نغمض أعيننا عن الحقائق بلا توقف .
النخبة في مجتمعنا غرقت في توصيف الحالة دون القدرة على الدخول في أدوات محو أمية الثقافة، وكيفية عرض المفاهيم، وكيف إنقاذ المجتمع، وهل ينقذ الغريق غريق آخر، كلنا غرقى في همومنا وفي عجزنا عن فهم ما يدور أو حتى الاستدلال على مصدر الضوء، لا يوجد ثقة حقيقية وان وجدت فهي ثقة مؤقتة أو وهمية أو حتى مبالغ فيها، وهنا يبدأ التغريب داخل الوطن والعودة إلى الاندماج، وكأننا أغراب أو ضيوف أو عابري طريق .
وحتى المنابر والوسائل الثقافية والإعلامية لم تعد قادرة ان تخاطب الجمهور، فالقائمين على هذه المؤسسات هم أنفسهم الذين يعيشون المعاناة في بيوتهم وفي حياتهم وفي همومهم، وكل ما في الأمر أنه يظهرون بمظهر لائق أمام الكاميرا والصورة والصوت، لكي يضمنوا نجاحهم وعدم الاستغناء عنهم، القصة وظيفية فردية بحتة، ولا ادري هل ما نكتبه في مقالاتنا يشكل رأي عام، أم أننا نعيد كل مرة قدرتنا على البقاء في أذهان القراء وفي اهتماماتهم بنا أو أن يتحول المقال إلى مرآتنا المجتمعية، دون قدرتنا على قياس التأثير في المجتمع، وهنا نبحث عن مؤسسات ترعى ذلك وتقوم بتنمية وتوظيفه بشكل ناجح وفعَّال ويوصل الى الهدف المنشود، وببساطة حين تلامس كلماتنا وأفكارنا واقعنا وتستحوذ على اهتمام القراء من العامة والغير متخصصين، فإن هذا مؤشر على وصول الأفكار، وقدرتنا على إشعال الضوء، وكلما استطعنا ان نتحكم في سطوع الضوء كلما امتدت ظلال أفكارنا ووصلت لأكبر مساحة .