الأرض، ونهب الأرض، ويوم الأرض - غازي السعدي
مقال تحليلي
في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، كان من أهم الأهداف الإسرائيلية، طرد ما أمكن من الفلسطينيين، والاستيلاء على أراضيهم، بأساليب مختلفة، وتحويلها لاحقاً لملكية إسرائيل، ففي منطقة 1948، دمرت إسرائيل نحو (500) بلدة وقرية فلسطينية، أي ما يعادل 80% من هذه البلدات والقرى العربية، وأعلنت عنها مناطق عسكرية مغلقة، معتمدة على المادة رقم (125) من أنظمة الطوارئ الدفاعية البريطانية، والهدف واضح، للسيطرة على أراضي هذه القرى، ومنع أصحابها من العودة إليها، ففي الثلاثين من آذار منذ عام 1976، وفلسطينيو الداخل للمرة التاسعة والثلاثين، يقومون بإحياء المناسبة بالاستنكار والاحتجاج، لسلب أراضيهم، وقد ذهلت لدى مراجعتي الوثائق المتعلقة بنهب الأراضي الفلسطينية، فلم يكتف الاحتلال بسلب الأراضي ووضع التشريعات لإعطائها صبغة قانونية، لكن الاستيلاء على الأراضي، وخاصة في القدس والضفة الغربية، تجاوز حتى القوانين المشكوك في قانونيتها، حيث انتقل الاحتلال إلى تزوير الوثائق المتعلقة بملكية الأرض، تحت نظر وسمع السلطات الإسرائيلية، التي تدعي الديمقراطية وأنها دولة القانون، فقصص التزوير مفزعة، وتشجيع سلطات الاحتلال للغش والتزوير هائلة، فالمهم لديه نهب الأراضي والأملاك الفلسطينية، فالاحتلال الذي زور المعالم والتاريخ وحتى لباس الفلسطينيين، لا غرابة أن يقوم بالتآمر لنهب الأراضي حتى بالتزوير. ففي عام 1949، وضعت إسرائيل ما يسمى بأنظمة الطوارئ، التي فوضت بموجبها وزير الجيش عملية السيطرة على أراضي الفلسطينيين وبتاريخ 14-3-1950 شرعت الكنيست ما يسمى بقانون أموال الغائبين لتحويل ملكيته جزء من فلسطينيي الداخل الذين لم يتم إحصاؤهم في عملية إحصاء الفلسطينيين، وعرفوا بالحاضر الغائب، وتحويل ملكيتهم وملكية الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل من وطنهم وأصبحوا لاجئين، إلى القيم على أموال الغائبين، بما في ذلك أملاك وأموال الأوقاف الإسلامية، ويبدو أن هذا التشريع كان لأول وهلة، للحفاظ على حقوق أولئك اللاجئين الذين اعتبرتهم "غائبين"، حتى حل قضيتهم، وفي عام 1953، شرّع الاحتلال قانون استملاك الأراضي للمنفعة العامة، إضافة إلى قوانين وأوامر عسكرية، يعتمدون عليها أحياناً لنهب الأراضي، وعلى القوانين العثمانية والبريطانية أحياناً أخرى، وكل ذلك من أجل الاستيلاء على الأراضي، حتى وصل الأمر بهم إلى التزييف والتزوير. في آخر إحصائية لأراضي فلسطين التي أعدت من قبل اللجنة الأنجلو-أميركية عام 1945، بلغت مساحة فلسطين الإجمالية (27) مليون و(340) ألف دونم، حيث بلغت الأملاك العربية من هذه المساحة (12) مليون و(766) ألف دونم، ما نسبته 48.5% من أرض فلسطين، أما ملكية اليهود فكانت مليون و(491) ألفاً و(699) دونماً-ما نسبته 5.67% من أرض فلسطين- بينما بلغت الأراضي المشاع مليوناً و(491) ألفاً و(690) دونماً، أي ما نسبته 5.67%، وحسب المصدر فإن أراضي بئر السبع والنقب التي تحاول إسرائيل سلبها حالياً تبلغ عشرة ملايين و(573) ألفاً و(110) دونمات، ما نسبته 40.6% ولنفترض بأن لليهود ما بين 1945 وحتى 1948 تاريخ احتلال فلسطين، استطاعوا وضع اليد على المزيد من الأرض، فتبقى الملكية اليهودية متدنية بالنسبة للملكية العربية. في أعقاب وصول حزب الليكود إلى الحكم عام 1977 برئاسة "مناحيم بيغن"، أقرت حكومته السماح للإسرائيليين وشركات وأفراد يهودية، بشراء أراضٍ فلسطينية بالضفة الغربية، بهدف تهويد الأرض بشتى الوسائل، ودون الكشف عن هوية البائع، إذا كان عن طريق التزوير أو الإكراه أو الإغراء، مما دفع بالسماسرة وتجار الأراضي، وشركات بناء، ومحامين، وما يسمى بمجلس المستوطنات في الضفة الغربية، وجمعيات استيطانية، بالتزاحم على الاستيلاء على الأرض، بشتى الوسائل والطرق، وتغض السلطات الإسرائيلية النظر عن صفقات بيع الأراضي بتزوير الوثائق، رغم معرفتها ببيع الأراضي بأوراق مزورة بل وتشجعها، ونسوق هنا بعض الأمثلة : فمستوطنة "عمونا"، في أعقاب الدعوة التي أقيمت في المحكمة الإسرائيلية العليا، لإعادة أراضي هذه المستوطنة لأصحابها، تقدموا بوثائق ملكية مزورة، وما زالت المحكمة تبحث في هذه القضية، وحسب جريدة "هآرتس 18-5-2014"، فسلسلة عمليات تزييف وثائق قامت بها الشركة الاستيطانية المسماة "الوطن" حيث تملك الشركة مكتباً مختصاً بتزوير الوثائق المتعلقة بالأرض، وقد أقرت الإدارة المدنية الإسرائيلية للضفة عمليات الشراء، وتم تسجيل الأرض باسم شركة الوطن، رغم وضوح تزوير الصفقة، لأرض يملكها المواطن "يوسف أبو النابوت" المتوفي عام 2011، وأن وثيقة الأرض المزورة التي أقيمت عليها مستوطنة "ميغرون" في قرية دورا القرع، تحمل تاريخ شهر أيار 2012، أي أشهر بعد وفاته، حسب "هآرتس 4-7-2012" ويدعي مستوطنون شراء أرض يملكها "حسين فرحات" من قرية عين يبرود المتوفي عام 1971، بأنه باع أرضه عام 2004، أي بعد وفاته بأكثر من (30) عاماً، وكشفت جريدة "هآرتس 22-6-2012"، النقاب عن ضلوع المستوطنين، -بينهم حاخام ونائب كنيست- في تزوير شراء أراضي فلسطينية، وتسجيلها باسم شركة تملكها زوجة الحاخام والنائب، والاحتلال يبدأ بتسجيل حقوق ملكية أراضي للمستوطنين بطريقة تتجاوز التسجيل في دائرة "الطابو" بحيث لا يستطيع أصحابها الفلسطينيون الاعتراض، فالمستوطنون يصرون على فرض الأمر الواقع لمستوطناتهم، بينما كشفت حركة السلام الآن النقاب، بأن المستندات التي قدمها مجلس المستوطنات، بخصوص مستوطنة "أوليانة" مزورة، وحسب "هآرتس 15-7-2011، فإن المحكمة المركزية في القدس، أقرت عملية الشراء التي قامت بها شركة "الوطن"-وهي الذراع الاستثماري للمستوطنين- لأحد البيوت في قرية عين يبرود، رغم أن الوثائق مزيفة وباطلة، والاحتلال الإسرائيلي استولى على مليون و(300) ألف دونم، مسجلة باسم الحكومة الأردنية، فاعتبرها الاحتلال أراضي دولة، وإذا كانت أراضي دولة، فإن ملكيتها تعود للدولة الفلسطينية، وليس للاحتلال الإسرائيلي، وعملية تزوير استيطانية لأراضٍ في دير استيا، لصاحبها "عبد الله بشير أبو أحمد"، حيث قام المستوطنون بتزوير وثائقها والاستيلاء على أرضه، وحسب جريدة "القدس 26-2-2000"، وقضية أخرى تورط بها عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين، في صفقة أراضي استولت عليها مستوطنة "بيتار"، قدم أصحابها شكوى للمحكمة بينما الصفقة زيفت عام 1994، شارك فيها "نتنياهو" عندما كان رئيساً للمعارضة بالكنيست، وآخرون من الوكالة اليهودية، فاليهود يشترون القدس بوكالات مزورة، حتى أنهم زورا توقيع البطريرك اليوناني، للصندوق القومي اليهودي لشراء الأراضي، المعروف باسم "الكرن كييمت لإسرائيل"، حيث ادعوا بأن البطريرك وقع على الوكالة أثناء نومه في سريره، بينما أكدت الشرطة الإسرائيلية بأن التوقيع مزور، وصفقة بيع من الأراضي الفلسطينية، تبلغ مساحتها خمسة آلاف دونم، تورط في تزويرها (19) محامياً إسرائيلياً، وضباط في الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى شركة تابعة لدائرة الأراضي، بالتعاون مع ثلاثة من السماسرة العرب، كشف عنها نائب الكنيست عبد المالك دهامشة عام 2005، وهناك عصابة من المستوطنين، وضباط في الإدارة المدنية، يعملون على تزوير وثائق لبيع أراضي فلسطينية، لكن هذه الصفقة المزورة اكتشفت عن طريق الصدفة، وهذه الأرض بالقرب من أريحا، لصاحبها المتوفي الوزير الأردني السابق "سعيد علاء الدين"، فكان ورثة الوزير يعرفون بأن والدهم ترك لهم أرض، وأن أحد الأبناء تفقد الأرض مع والده، ويعرف الأرض وموقعها جيداً، فكانت المفاجأة عندما علموا بأن أرضهم مصادرة، وباتت بأيدي المستوطنين، فاعترضوا في المحكمة التي أصدرت قراراً ضد شركة "حمونا" والإدارة المدنية، بمنع تغيير تسجيل الأرض على أسماء الشركة والإدارة المدنية، بل إبقائها على اسم أصحابها الأصليين، والمعلومات تفيد بأن المستوطنين أسسوا شركة لتزوير وشراء الأراضي الفلسطينية وفي تقريرين للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي بتاريخ 1-10-2014، أن أربعة مستوطنات على الأقل أقيمت عن طريق تزوير الوكالات وأن هذه المستوطنات هي: جفعات أساف، عمونة، ميغرون، وجفعات ليفونة، ويقول التقرير بأن الشرطة الإسرائيلية، لم تحقق بشكل جدي، في قضايا التزوير، ولم تعتقل أي مستوطن أو مزور، وجاء في تقرير آخر، عن وجود شبكة دولية تبحث في الخارج، عن أصحاب الأراضي في السجلات بعمان ولندن واسطنبول، بالتعاون بين سماسرة عرب والمستوطنين، وهذه الصناعة تزدهر وتدر على العاملين بها عشرات ملايين الدولارات، فأراضي الغائبين واللاجئين الفلسطينيين، انتقلت من القيم على أملاك الغائبين، إلى سلطة الإنشاء والتعمير، ومن ثم إلى دائرة ما يطلق عليها بأراضي إسرائيل، وفي السنوات الأخيرة بيعت هذه الأراضي إلى "الكرن كايمت" الصندوق القومي لشراء الأراضي العربية، وإلى جهات حكومية أخرى. وإذا كان هذا لا يكفي، فإن "نتنياهو" شكل عام 2012، لجنة قضائية برئاسة القاضي اليميني المتقاعد "أدمون ليفي" لفحص سبل تشريع البؤر الاستيطانية، وأعضاء هذه اللجنة معروفين بميولهم اليمينية، وتأييدهم للاستيطان، فاعتبرت هذه اللجنة بأن الاستيطان عمل قانوني، وأن أراضي الضفة الغربية ليست محتلة لتسهيل عمليات الاستيطان وأن السلطة الفلسطينية والأردن يقومان باعتقال السماسرة والمشتبه بهم، الذين يعملون على بيع الأراضي والعقارات للإسرائيليين في الضفة الغربية، وخاصة في القدس، والجهات الفلسطينية تقوم بمتابعة ملفات تسريب الأراضي للمستوطنين، والعمل على إبطالها إن أمكن، وتعتقل المسربين والعملاء، وتقدمهم للقضاء، وأن السلطة الفلسطينية شكلت وحدة خاصة للمتابعة، وقد عثر على بعض المسربين للأرض مقتولين بظروف غامضة، يعتقد أن تصفيتهم لها علاقة بموضوع السمسرة وبيع الممتلكات. إن ما ذكرته في هذا المقال، هو غيض من فيض، وأن المطلوب من الجهات الفلسطينية، إعداد كتاب أسود موثق بالأسماء والتفاصيل وذلك لهدفين: للتاريخ، والردع، فموضوع الأرض والهجرة والاستيطان، أحد الأسس التي قامت عليها الحركة الصهيونية، فالأرض ونهب الأرض إضافة إلى أساليب احتجاجية وقانونية أخرى، كان دافع عرب الداخل، بعد أن طفح الكيل لتسمية 31 آذار "يوم الأرض" والإعلان عنه، يوماً للاحتجاج، وللذاكرة والتاريخ، حتى أن الفلسطينيين في الشتات، أخذوا يقيمون هذا اليوم في أماكن تواجدهم.