اليرموك والرسائل العنيفة ! بكر ابو بكر
يمثل مخيم اليرموك في جنوب دمشق موقعا استراتيجيا من ناحية جغرافية حيث يصل جنوب سوريا بالعاصمة دمشق وبالمطار, ويتخذ اهمية بارزة لما يمثله المخيم ذاته في ذهن الفلسطينيين والعالم من رمزية, كما يرتبط التعامل معه بمقدرة اي طرف يسيطر عليه على تحقيق حالة الجذب والتركيز والتكتيل حول مشروعه.
ان اهمية المخيم فلسطينيا تنبع من قيمته كشاهد على اللجوء وشاهد على جريمة العصر الكبرى التي تمثلت بالنكبة عام 1948 وما لحقها من لجوء وتشرد..., وقيمته ايضا كمنبع للثورة ومُطلِق لشرارتها، اما ثالثا فان المخيم يشكل في ذهن الفلسطينيين صمام امان نفسي-اجتماعي-ثقافي، اذ بوجوده يزيد اليقين لدى كافة اللاجئين ان بوابة (العودة) لم تقفل لذلك يقاومون وبشكل مضطرد اي محاولة لابعادهم عن المخيمات او ازالتها.
لم تنبع اهمية المخيم لدى الفلسطيني والعربي المؤازر واحرار العالم من النقاط الثلاث مما ذكرناه فقط، وانما بامكاننا ان نضيف ما لا يدركه الكثيرون وهو ان «المخيم» يجسد فكرة (الكيان) او فكرة المجتمع الحر والديمقراطي، اذ تقابلت كافة الفصائل على تعدديتها في مساحة المخيم-اي مخيم- لتتحاور تارة بالعنف وتارة بالحوار الفكري – السياسي-الثقافي ما افضى لحالة نادرة من المدنية والتعددية والديمقراطية التي عاشوها رغم ضغط المحيط العربي واستبداد الانظمة المحيطة بالمخيم.
لم يكن في ذهن المتصارعين في الملعب السوري كل ذلك، وانما كانت التقاطعات الاقليمية هي الاصل وفي قلب الفعل، اي التقاطعات بين المحور العربي والمناوئ للنظام السوري من جهة وخاصة بعض دول الخليج, ومحور (الممانعة والمقاومة) كما يسمي نفسه الذي تقوده ايران وامتداداتها في 4 دول عربية والنظام السوري.
بمعنى واضح ان قرار دخول (داعش) بتسهيلات (النصرة) للمخيم له علاقة وثيقة بما يجري في اليمن والعراق وهذا واضح بالنسبة لنا، فالكل يلعب على جسد العربي فلم لا يستخدم الفلسطيني ضمن وقود اللعب ايضا ؟
ان المعادلة الاقليمية التي عكست نفسها على ما يحدث في المخيم تَرابَط معها عاملان مهمان آخران هما عامل طبيعة العلاقات والتحالفات اضافة لمراكز القوى بين التنظيمات الاسلاموية المتطرفة, ومدى امكانية اعادة تركيب التوافقات والتحالفات في ظل تقدم في مكان وتقهقر في آخر وهو ما دعا (جبهة النصرة ) لان تتعاون ميدانيا مع (داعش) رغم الخصومة بينهما منذ العام 2012 عندما رفض ابو محمد الجولاني اعلان الولاء لابي بكر البغدادي والانضمام لـ (داعش).
قدمت (النصرة) ومن ورائها ابو محمد الجولاني وايمن الظواهري مجموعة من اشارات (النوايا الحسنة) باتجاه (داعش) من خلال السماح لها بالتمدد في الجنوب السوري ومن خلال اعلانها انها لن تحكم مدينة (ادلب) وحدها بل مع «كافة» الفصائل، بعد ان حققت نصرها الكبير امام العالم وامام داعش، ما يسمح لها بالتعامل بندية مع غريمتها وبالتالي تقديم المبادرات من موقع قوة وندية، واخيرا من خلال فتح بوابة اليرموك لها لتندفع باتجاه دمشق.
لم يغب عن مجريات الامور في مخيم اليرموك العامل الفلسطيني ابدا، فطبيعة الاستقرار النسبي الذي حظي به المخيم لاكثر من 3 سنوات ارتبط بالردع الذي تحقق ضد حلفاء النظام من الفلسطينيين من الشعبية-القيادة العامة وجبهة النضال – جناح دمشق والمنشقين والصاعقة الذين حاولوا السيطرة على المخيم بالقوة ولم يفلحوا, وبين القوات الاخرى من المنشقين على جيش التحرير الفلسطيني ومن حماس التي شكلت (اكناف بيت المقدس في ارض الشام) وتحالفاتها مع الجيش الحر وعلاقاتها مع جبهة النصرة.
ان دخول (الاكناف) وتحالفاتهم على الصورة اضفى مزيدا من التعقيد لمحاولات النظام التقدم في المخيم وابتلاعه, وما كان هذا الامر ليتركب كذلك لولا الاشارة من قيادة حماس او بعضها بذلك، بعد ان اتخذت حماس فترة حكم الرئيس المصري محمد مرسي القصيرة قرارا بالوقوف ضد محور (الممانعة والمقاومة ) والنظام السوري.
وبالتالي اصبحت خريطة المخيم تتنازعها 3 تيارات فلسطينية ما بين ضد او مع النظام او محايد، وما بين تحالفات سائلة مع هذا الطرف او ذاك جعلت المخيم في حالة استقرار او توازن نسبي تم خرقها مؤخرا نتيجة المناوشات بين «الاكناف» و«داعش» وبما يعيد تركيب الصورة الاقليمية اثر التراجعات لداعش في تكريت ورغبتها في اعتلاء منصة الاعلام ثانية.
في ظل التقاطعات وسيولة التحالفات في سوريا عامة وفي المخيم يبرز الخطاب الفلسطيني عبر الرئيس ابو مازن و(م.ت.ف) واضحا ومحددا ورافضا سيطرة اي طرف من الاطراف على المخيم، ما ظهر جليا ببيان اللجنة التنفيذية (9/4/2015) ولكن واقع الحال ينذر بخطر كبير اذ ان تيارات في المنظمة في اتجاه دعم النظام بوضوح، واخرى في حماس – غزة باتجاه دعم «الاكناف» ومن وراءها من التنظيمات الاسلاموية السورية المتطرفة.
بلا شك ان هذا التجاذب الفلسطيني يشكل خطرا فادحا على المخيم الذي من المحتمل ان يتم تدميره كما حصل مع مخيم نهر البارد عام 2007 وبمن بقي فيه، لا سيما وان اهداف النظام السوري بدخول المخيم ستتحقق بشكل فاعل، فهي كما تصدح بالاعلام تخوض حربا شرعية (اذ معها كل العالم) ضد «داعش» العدو الاول للبشرية اليوم.
ان خطر انتصار «داعش» و«النصرة» وجزء من «الاكناف» بالمقابل وفي الاستيلاء على المخيم لا يراه المحور المضاد خطرا بقدر ما يراه تقدما محمودا، وردا على تقلبات الاقليم وسطوة المحور الايراني.
وبين هذا وذاك يتبادل المتقاتلون الرسائل العنيفة ما بين محاولات استقطاب سورية واضحة المعالم لحماس عبر اعلاناتها المتكررة انها فتحت الباب لعناصر «الاكناف» للخروج من امام هجوم «داعش» وانها تقاتل معها.
في المقابل وما بين رسائل «داعش» و«النصرة» المتبادلة وحليفها الاقليمي، وما بين حيرة الفلسطيني ومحاولاته الخروج من المستنقع باقل الاضرار فان الخطاب الفلسطيني الموحد الذي عبر عنه بيان «م.ت.ف» وخطابات الرئيس ابومازن وما عبرت عنه المواقف المتزنة والحيادية والايجابية لحركة فتح وبعض «حماس» خاصة في لبنان والخارج و«الجهاد الاسلامي» والبعض من الفصائل في (م.ت.ف) وخاصة الشعبية يعطي مؤشرا مهماً على امكانية الاتفاق ان خلصت النوايا وتجردت بعض الاطراف من عقلية اما انا او هو (عقلية الفسطاطين) ومن عقلية الاستبداد او الاستئثار بالقرار, والا فنحن متجهون لمأساة في مخيم اليرموك لن تقف عند حدوده فقط.