كارثتهم وكارثتنا - عمر حلمي الغول
مضى على إدبار الحرب العالمية الثانية سبعون عاما، شهدت ويلات هائلة ألمت بشعوب الارض قاطبة، وإن تركزت بشاعتها بشكل اساسي في الدول المنخرطة فيها. إختلفت احصاءات الضحايا فيها، البعض يقول، خمسين مليونا من البشر وجدوا حتفهم، والبعض الاخريشير إلى نحو سبعين مليونا، الجزء الاكثر منهم، قدمته شعوب الاتحاد السوفييتي.
رغم ان اتباع الديانة اليهودية، لم يكونوا شعبا واحدا في يوم من الايام، إلآ انهم ومن مختلف القوميات الاوروبية دفعوا ثمنا غاليا في الحرب العالمية الثانية، حين قامت النازية الالمانية بارتكاب المحرقة في كراكوف البولندية وغيرها من المدن الاوروبية. اختلفت التقديرات في عدد ضحايا المحرقة، انصار الحركة الصهيونية بالغوا بعدد الضحايا، فقالوا وصل عددهم لستة ملايين، والبعض الاخر من المراقبين الموضوعيين، قدروا عدد الضحايا ما بين المليون والمليونين من اليهود. بغض النظر عن عددهم، المحصلة تؤكد وجود كارثة ألمت باتباع الديانة اليهودية في اوروبا لاعتبارات تتعلق بعلاقة الشعوب الاوروبية بابناء جلدتهم من اليهود، إضافة لتواطؤ قادة الدول النازية والفاشية في دفع اليهود للهجرة لاسرائيل، التي تبنى إقامتها أكثر من زعيم ودولة اوروبية لخدمة الاهداف الاستعمارية لتلك الدول في العالم العربي.
كما ان الحركة الصهيونية شاءت تحقيق جملة من الاهداف، منها: لاستغلال واستثمار ذلك في ابتزاز الدول الاوروبية ماليا واقتصاديا وسياسيا لدعم المشروع الكولونيالي الصهيوني اولا؛ ولابتزاز اتباع الديانة اليهودية في الهجرة لدولة التطهير العرقي الاسرائيلية، التي كانت في طور التحضير والاعداد لنشوئها ثانيا؛ ولتضخيم حجم معاناة اليهود بهدف إستدرار عطف شعوب الارض معهم ثالثا؛ ولقلب الحقائق رأسا على عقب، وتمرير الرواية الصهيونية، وشعارها الناظم "شعب بلا ارض .. لارض بلا شعب!" وتكريس "ارض الميعاد"، التي روج لها وكرسها الاعلام الاستعماري الغربي، لاعتبارات خاصة بمصالح الرأسمال في فلسطين العربية، التي تعتبر قلب العالم العربي، وليس من اجل عيون اليهود وروايتهم المزورة.
لا مراء هناك محرقة وكارثة طالت اتباع الديانة اليهودية، وتجاوزت المليون إنسان. وهي جريمة بكل المعايير السياسية والقانونية والاخلاقية. ولكن الكارثة اليهودية جاءت في خضم الحرب العالمية، التي اصابت البشرية في مقتل، وأدمت عشرات الملايين من بني الانسان. ولم تكن تلك المحرقة تقتصر او محصورة باليهود دون سواهم من اتباع الديانات السماوية الاخرى، فطالت المسيحي والمسلم، واتباع المعتقدات الايمانية الاخرى من السيخ والبوذيين وغيرهم، اضافة للشيوعيين واليساريين عموما.
غير ان الكارثة الفلسطينية، التي نفذتها المنظمات الارهابية الصهيونية وحلفائهم من دول الغرب الاستعمارية في العام 1948، إقتصرت على الفلسطينيين، وتمثلت بقتلهم وتشريدهم وطردهم من ديارهم ووطنهم الام الى مجهول اللجوء، ومضى عليها ايضا قرابة السبعين عاما. ومازالت الكارثة النكبة الفلسطينية شاهدة على وحشية الصهاينة اليهود وحلفائهم حتى يوم الدنيا هذا دون حل، رغم ان الشعب العربي الفلسطيني وقيادته السياسية، قدموا تنازلات تاريخية من اجل بلوغ السلام والتسوية السياسية على اساس خيار حل الدولتين على حدود الرباع من حزيران 1967، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين لديارهم، التي طردوا منها ووفق القرار الدولي 194. لكن الدولة الاسرائيلية رفضت، ومازالت ترفض خيار السلام، وتحث الخطى نحو خيار الترانسفير وتصفية القضية الفلسطينية من خلال الايغال في الدم الفلسطيني، والتهويد ومصادرة الاراضي والموت السريع والبطيىء للفلسطينيين باشكال واساليب مختلفة.
الكارثة الفلسطينية تستدعي اقطاب ودول وشعوب العالم مع إقتراب الذكرى السابعة والستين للنكبة، التي تحل في الخامس عشر من مايو /ايار القادم لفرض خيار التسوية السياسية، وضمان اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 67، لان إطلاق يد الوحشية الاسرائيلية او غض النظر عنها للعبث بمصير ومستقبل الشعب العربي الفلسطيني، يعني خلق الظروف الملائمة لتهديد السلم الاقليمي والدولي، وضياع مصالح كل اقطاب الغرب الرأسمالي. فهل يحول العالم دون مواصلة سيف الكارثة الصهيونية على رقاب الفلسطينيين، ويؤسس لبناء صرح السلام المنشود؟