إيران والعرب والطائفية والحروب المقدسة ...!!! د. عبد الرحيم جاموس
إن الحروب المقدسة عبر التاريخ قد جرّت على البشرية الويلات، والمآسي، والخراب، والدمار، كل ذلك كان منبعه توظيف المقدس من دين أو مذهب في الصراعات الخارجية، أو البينية، بهدف التغطية على محركات الصراع الخفية والحقيقية، لقد دفعت الشعوب على إختلافها عبر التاريخ أثمان باهظة لتلك الصراعات التي تلحفت بالدين أو الطائفة أو المذهب أو المقدس، في حين أن حقائق الصراعات عبر التاريخ داخلية أو خارجية سببها التدافع البشري الذي فطر عليه الإنسان على أساس المصالح والإستحواذ على المنافع والسلطان والنفوذ كغريزة بشرية، ولكن إستخدام المقدس في الصراعات كان يجري للتحشيد والتجييش لتلك الصراعات، وغالباً ما يكون بسطاء المؤمنين بذلك المقدس، مادة أساسية لهذا التحشيد والتجييش وزجهم في أتون الصراعات كوقود رخيص يهلك فيه ألوف وملايين البشر، هذا ما حصل في أوروبا القرون الوسطى، وكذلك في الحربين العالميتين الأولى والثانية. إن تطور الوعي الجمعي لمجتمع ما لابد أن يضعف إمكانية إستخدام المقدس من دين وغيره في الصراعات الداخلية أو الخارجية، لذلك نجد أن المجتمعات الأكثر تخلفاً تدب فيها الصراعات الطائفية والمذهبية، والتي تكتسي طابعاً مقدساً يلهب مشاعر المتحاربين، ويوفر الوقود لإدامتها لأطول وقت ممكن، ولكن مع تطور الوعي الجمعي بالمصالح الحقيقية للمجتمع وطبقاته المختلفة وتطور مفهوم المصالح العامة والمصالح القومية، تراجع دور الدين أو المقدس في تلك الصراعات، إلى أن جرى صياغة العلاقات الداخلية والبينية على أساس التوازن بين المصالح الفئوية والمصالح العامة، وتم بناء الدولة القومية الحديثة، بعيداً عن مفاهيم القدسية التي صبغت نموذج الدولة وصراعاتها الداخلية والخارجية في القرون الوسطى ما قبل الدولة القومية الحديثة. اليوم ما تعانيه بعض الدول العربية من صراعات داخلية دامية فجرها ((الربيع العربي)) وأخذ الإصطفاف فيها يجري على أسس دينية أو طائفية مذهبية، تضفي عليها طابع من القداسة يجذب إليه بسطاء المؤمنين بالدين أو بالطائفة أو المذهب، ليخفي حقيقة الصراع الدائر بين النخب على السلطة والنفوذ والإستحواذ على المصالح، ما أدى إلى سقوط الدولة الجامعة والواحدة أو أدى إلى فشلها، وتستمر مسيرة الحروب الداخلية بإسم الدين أو الطائفة أو المذهب، ويتواصل معها تأجيج المشاعر الطائفية والمذهبية التي تأتي على ما تبقى من بقايا الدولة ومؤسساتها، ويحكم المجتمع في هذه الحالة بشريعة الغاب، كل فرد فيه أو جماعة تجد نفسها في حرب مع الجميع، إنها المأساة الكبرى بعينها أن تبقى دول وشعوب عربية تئن تحت وطأة هذه الحروب والصراعات، ولا شك في أن إيران قد إستخدمت الطائفية الشيعية وأججتها في المنطقة لتحقيق أغراضها في التمدد والنفوذ وتناغم معها بعض القوى السياسية السنية في تأجيج الطائفية السنية كي تكتمل دفتي الرحى لهذا الصراع الذي لن يقود سوى إلى مزيد من الدمار والدماء والخراب، والتقسيم والتفتيت لنسيج هذه الدول والمجتمعات المتساكنة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، كشعوب موحدة في دول كانت آمنة ومستقرة، إذا لم تكف هذه القوى المتصارعة عن إستخدام المقدس من دين أو طائفة أو مذهب فإن النهاية السوداوية هي التي ستحكم نتيجة هذه الصراعات، وإن الشعوب والدول هي التي ستدفع الثمن المدمر لمستقبلها. لقد آن لصوت العقل أن يعلو على هذه الغرائزية الطائفية في كل المجتمعات العربية، لوضع حد لهذا الإستخدام المدمر للدين وللطائفة وللمقدس، وسد الذرائعية الفارسية في هذا الشأن، والعمل على إستعادة وحدة الدول والمجتمعات العربية، وتأسيس دولة القانون التي تقوم فيها العلاقة بين الفرد والدولة على أساس المواطنة لا على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة، إن المستفيد من هذه الحالة المتردية في عالمنا الإسلامي فقط هو الكيان الصهيوني الذي يسعى لإنتزاع الإعتراف من دول المنطقة بكيانه كونه ((الكيان الخاص باليهود)) في الشرق الأوسط ... فاعتبروا يا أولي الألباب ...!!! ـ