الواقع العربي إلى من يهمه الأمر- غازي السعدي
مقال تحليلي
أسئلة كثيرة تتردد على ألسنة الكثيرين في كل مكان، حول ما يجري في عالمنا العربي، والسؤال: هل أن مما يجري هو مؤامرة غربية-صهيونية لتمزيق الدول العربية؟ أم أنها انتشار للكراهية الدينية والطائفية؟ والأهم: من الذي خلق التنظيمات الإسلامية المتطرفة ومنها "داعش" و"النصرة"؟ أم أن تهميش ضباط نظام الرئيس صدام حسين، بعد حل الجيش العراقي عام 2003، دفعهم للاندماج مع الحركات الإسلامية المتطرفة ومنها "داعش"، حيث لم يبق لهم مكان في المجتمع العرقي، وهل أن الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وغيرهم وراء هذه المؤامرة، التي استهدفت سورية، لبنان، العراق، مصر واليمن وليبيا وغيرها لتمزيقها خدمة لمصالح إسرائيل، حيث أنها المستفيدة الأولى منه، فالتفاصيل لما يجري أصبح معروفاً للجميع، أما من يقف وراءه ويحركه فإن الأقاويل والشائعات عنه كثيرة، ولعلنا نساهم في حل هذا اللغز. أمامي بعض الوثائق والتقارير، التي قد تعطي إجابة وإن لم تكن شافية مئة بالمئة، على ما أوردناه من تساؤلات، ففي سنوات الستينات من القرن الماضي، وقبل نشوب حرب 1967 بقليل، زار صحافي هندي معروف اسمه " كارنيجا " إسرائيل، وأجرى حديثاً مطولاً مع وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك الجنرال "موشيه ديان"، وقال "ديان" للصحفي الهندي، أن إسرائيل ستدمر الطائرات العربية في مرابضها بضربة سريعة، لتصبح السماء ملكاً لنا، وتحسم الحرب لصالحنا، وحينها تساءل الصحفي الهندي باستغراب: كيف تكشفون خططكم بهذه الطريقة؟ فرد عليه، "ديان" ببرود: العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبقون، فقام الصحفي الهندي "كارنيجا" بتأليف كتابه الخطير بعنوان:"خنجر إسرائيل"، أورد فيه تلك المقابلة مع "ديان" قبل وقوع حرب 1967، حيث طبق الجيش الإسرائيلي كل تصورات "ديان" بحذافيرها، ويقول "كارنيجا" أنه للأسف فلم يقرأ تلك المقابلة أحد، ولم يستعد لها العرب. هذا الموضوع يقودنا للتطرق إلى وثيقة "كيفونيم"، وترجمتها للعربية "توجهات"، التي صدرت عام 1982، وأعدها صحافي إسرائيلي يدعى "عوديد ينون"، وهو باحث إسرائيلي، عمل في وزارة الخارجية الإسرائيلية سابقاً، وله علاقات وثيقة بأجهزة اتخاذ القرار في إسرائيل، وله عدة دراسات منها: "البداية في دراسة الاستخبارات الإسرائيلية"، وهذه الوثيقة تم تقديمها إلى مؤتمر قسم المعلومات في المنظمة الصهيونية العالمية "The department of information of the world zionis organization"، والتي تشخص حال العالم العربي، من العراق وسورية ومصر ولبنان واليمن وليبيا، وصولاً إلى دول الخليج، كما تطرقت الوثيقة إلى الأردن وفلسطين، والوثيقة التي أعدت في مطلع الثمانينات، قد تعطي الرد على جزء مما يحدث اليوم في العالم العربي. الوثيقة تتحدث عن التخطيط لتفتيت الدول العربية بلا استثناء، عبر إثارة الحروب الدينية والمذهبية والطائفية، بكل دولة بوسائل مختلفة، وكانت الجماهير العربية مؤهلة للانتفاض على حكامها، الناجم عن الظلم الذي تعانيه، وما نراه اليوم في العراق وسورية ومصر واليمن ودول أخرى، عبارة عن تنفيذ يكاد أن يكون مطابقاً لمعظم ما جاء بالوثيقة، وتتضمن الوثيقة إمكانية نشوء أربع إلى خمس دول عربية بدلاً من الدول العربية القائمة حالياً، بتقسيم سورية إلى دويلات علوية، ودرزية وواحدة سنية كردية في الشمال، وأخرى سنية جنوب سورية، ودويلة مسيحية، أو ضم المسيحيين إلى الدولة العلوية، وتكشف الوثيقة أن كل الأدوات للتنفيذ تم إنتاجها وتجهيزها تدريجياً، مروراً بتهيئة الأرض للانقسام والاقتتال، وأن إنتاج التطرف مخطط له جيداً، فيما يعد الربيع العربي وسيلة تم توظيفها عبر استثارة غضب الشعوب على مظالمها، للتمهيد للاقتتال الداخلي، وكل ذلك من أجل راحة إسرائيل، الوثيقة تتحدث عن تسع دول عربية إضافة إلى بعض الدول الإسلامية، وعن (26) بنداً من الصراعات التي تشكل ذريعة لتجسيد مشروع الوثيقة قولوا لي بربكم من اطلع على هذه الوثيقة من الحكومات وأصحاب القرار؟ وإذا كان هناك من اطلع عليها فماذا فعل؟ وهنا نعود إلى مقولة "ديان" أن العرب لا يقرأون. أما الوثيقة الثانية التي كشف عنها موقع "جراسا نيوز" وتحمل عنوان تورط واشنطن في مخطط لتغيير الأنظمة العربية فالوثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية بتاريخ 22-11-2010 أفرج عنها بموجب دعوى قضائية، استناداً إلى قانون حق الحصول على المعلومات، فإدارة الرئيس "باراك أوباما" ضالعة في حملة استباقية، منذ ما قبل الربيع العربي، لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحمل الوثيقة عنوان: "مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسيطة" كأولوية خاصة، بدأت منذ عام 2010، لتغيير الأنظمة في كل من اليمن والسعودية ومصر وتونس والبحرين وسورية وليبيا، وهذه هي قائمة الدول ذات الأولوية في التغيير، وأظهرت الوثيقة انتهاج الإدارة الأميركية، سياسة الدعم السري لجماعة الإخوان المسلمين، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فانتهجت إدارة "أوباما" تقديم دعم سري لجماعة الإخوان المسلمين، ومساعدات أخرى للمتمردين، ولبناء منظمات مجتمع مدني، ولا سيما المنظمات غير الحكومية، بغية إحداث تغيير يخدم أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركيين. الوثيقة الواقعة في خمس صفحات بلغة دبلوماسية، لا تترك مجالاً للبس بأن الهدف، تشجيع وتوجيه تغيير سياسي في البلدان المستهدفة، وتشمل الدراسة كل بلدان منطقة الشرق الأدنى باستثناء إيران، وفي سبعة من بلدان وأقاليم المنطقة الثمانية عشرة، التي تتواجد فيها بعثات للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أما القسم الذي حمل عنوان:"كيف تعمل مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية"، تذكر الوثيقة صراحة، ثلاثة عناصر جوهرية للبرنامج: التخطيط على مستوى المنطقة ومجموعة دول، والمنح المحلية، والمشاريع الخاصة بدول محددة، ليتولى موظفو السفارات الأميركية إدارة التمويل، وبناء شبكة علاقات مع المنظمات المحلية، وسواها من مؤسسات المجتمع المدني، بالاستجابة للتطورات المحلية، والاحتياجات المحلية، وحسب الوثيقة، يتولى رئيس البعثة في كل سفارة أميركية، مهمة إدارة برنامج المبادرة، التي تنص صراحة بأنها لا تخضع للتنسيق مع حكومات البلدان المضيفة، كما تتضمن الوثيقة خطط الإدارة الأميركية لدعم جماعة الإخوان المسلمين وسواها، من حركات الإسلام السياسي، التي لديها قناعة بأنها موافقة مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، وبحسب وزارة الخارجية الأميركية، يتولى مكتب التنسيق الخاص لتحولات الشرق الأوسط، الذي تأسس في أيلول من عام 2011، تنسيق المساعدات الأميركية المقدمة للديمقراطيات الناشئة عن ثورات شعبية في المنطقة، لتقديم الدعم، وهي حالياً مصر وتونس وليبيا حسب الوثيقة، وهذه الوثيقة بمضامينها الكاملة، لا تترك مجالاً لتبرئة الولايات المتحدة، من ما يجري من صراعات واقتتال مسلح في دول المنطقة، خدمة لمصالحها ومصالح إسرائيل. أما الورقة الثالثة، ما نشرته "صحيفة ميدل ايست مونيتور" البريطانية بتاريخ "22-3-2015"، عن الانفتاح بين العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، التي أصبحت مرتعاً للعديد من الشركات الإسرائيلية واليهودية، فشركة "إيجا غلوان تكنولوجي" المعروفة باختصار "AGT" والتي تتخذ من سويسرا مقراً لها، فازت بأول عقد للعمل في دولة خليجية منذ عام 2008، وهي شركة مملوكة لـ "ماتي كوخافي"، إسرائيلي الجنسية ومقيم في الولايات المتحدة، والعقد وقع في أبو ظبي، وقيمته (816) مليون دولار، الذي يضمن حماية كافة المنشآت الحيوية في أبو ظبي. وحسب الصحيفة البريطانية، فإن ما يزيد عن عشر شركات إسرائيلية خاصة، ومعها شركات مرتبطة بوزارة الحرب الإسرائيلية، أقدمت مؤخراً على زيادة عملياتها في البلدان العربية والإسلامية، التي لا ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وأن شركة "جي فور اس G4S"، المتخصصة بالخدمات الأمنية، تنتشر في العالم العربي، وحسب صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية، فإن هذه الشركة، تعمل في مطار دبي الدولي، يشار إلى أن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، كانت قد كشفت في شهر أيار من عام 2013، عن نشاط لشركة أمنية إسرائيلية تدعى "ماكس"، تعمل في العديد من دول العالم العربي، وتستفيد من الأسواق العربية والإسلامية، وهذه الشركة مقرها الرئيسي في إسرائيل، ولها فروع في إفريقيا وأوروبا والهند، وأن العاملين في هذه الشركة، من الضباط المتقاعدين الذين خدموا في الأجهزة العسكرية والأمنية في الجيش الإسرائيلي. إن ما أوردناه هو غيض من فيض، فهذه الشركات العاملة في الوطن العربي كثيرة، وهي تُستغل غطاءً لأعمال التجسس وتؤمن حرية تنقل ضباط وجواسيس الجيش الإسرائيلي، وتحصل على خرائط تبين المواقع الحساسة والهامة في الدول العربية، مثل المواقع العسكرية ومواقع الشرطة والسفارات وغيرها، وأن هذه الشركات ومعظمها مختصة بالشؤون الأمنية، تركز نشاطها بشكل خاص وفقاً للمصادر على دول الخليج، مصر، العراق، تونس، المغرب، الجزائر، وليبيا، فهي تجني الأموال لصالح الأمن والاقتصاد الإسرائيلي، وتقوم بالتجسس عليها، ولو سئل مسؤول في هذه الدول بعد هذا الكشف، لنفى أية علاقة لبلاده مع هذه الشركات الإسرائيلية، وبعد ذلك نتساءل لماذا وصل العالم العربي لهذا الوضع المتردي، ومن يقف ويدير الصراعات في الدول العربية ليصل إلى تقسيمه ... والعلم عند الله..