أنا والله في تصالح، فما شأنكم أنتم ! بكر أبو بكر
لم أعد أخشى الاحتلال قط، فالعدو المحتل لأرضي واضح، وضوح الشمس في رابعة النهار، وفكرة مقاومة المحتل لها من المناهج العديد، ما من الممكن أن نتخير منها، ونحشّد ونمارس، فالقضية في دمي وروحي والمسير طويل، فهذه أرضي وهذا وطني الساكن في السويداء.
ولم يعد الاحتلال بكل طغيانه وجبروته وقسوته قادرا على تهشيم قناعاتي وفكري، أو على استفزازي بالاستسلام له، أو إفلات مصيري من يدي، لأن الحرية خُلِقت عبر أنفي وصعَدَت إلى عيني، ولامَسَ هواؤها اللطيف شغاف قلبي المتبول قبل عقلي، فلا مكان لسلطان غير سلطان الله في ذاتي، ولا مكان إلا لحريتي التي منحني إياها الخالق ومنحكم إياها، وما سأموت دونها.
أنّ أخشى ما أخشاه هو استبداد أصحاب الأفكار الثقيلة في غفلة من الوطن والناس، تلك الأفكار التي تحت ظلال سيوفها الإرهابية يقطعون الرقاب، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، بل ويقطعون حبال الأفكار ويمنعون التنهدات أو عبارات الغزل أكانت بالله، أم بمحبوبتي السمراء.
وأخشى ما أخشاه أن يجلس هؤلاء من أصحاب "محاكم التفتيش" "المقدسة" الجديدة قسرا في حديقة قلبي فيقطفون كل الزهور، ويزرعون عوضا عنها القنب الهندي والخشخاش فينحرونني بأوهام القداسة فيهم، وأنهم المفوضون من السلطة العليا بقبض أو بسط نفوس المؤمنين أو الكفار.
ليس الخوف من "العدو القريب"، فنفسي هي عدوي إن لم تجتز بحر الظلمات وكوامن النفس السيئة، ونفسي هي عدوي أن لم تُقدِم حيث يجب، وتتبصّر وتتأمل وتصلي، وتُحجم حيث يجب، انأ أعرف عدوي الأساسي فما شأنكم أنتم! أنا أعرف عدوي الداخلي في نفسي الآثمة حين تأثم، وعليها انتصر بجهادي الداخلي... فلا شأن لكم.
أنا الشامخ الطامح الواثق الباسق الذي يقف ناهضا في وجه طغيان الذات، فكيف أسمح باستبداد وطغيان الآخر! مهما كان لون العمامة التي يلبسها، أو نوع القفطان، أو طول اللحية! ومهما كان مبرر سعيه الوضيع لاستعبادي.
وأنا الذي حطمت الأصنام مع سيدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
وكيف لي أن أسمح لصنم جديد أن يتعطر ويتلطف ويتخطّف قلبي وحريتي تحت مظلة الوهم الكبير أنه كبيرهم (الذي علمهم السحر)! فلا أجد إلا أن أعلّق برقبته الفأس، كما علمني حبيبي إبراهيم الخليل عليه السلام.
قالت لي ملهمتي (لم يأتِ الدين ليلغي فطرة الإنسان أو ليعذبه لكنه جاء لينظم العلاقة بين الإنسان وربه والإنسان ونفسه والإنسان وبقية الخلق. فالدين هو مجموعة من العقائد ترجمت على شكل شعائر لتؤثر في شخصية الإنسان وتظهر في معاملته وسلوكياته. ونقصان الشعائر يجبره كمال المعاملة لكن العكس غير صحيح. إذاً هناك إطار عام للدين وجوانب فرعية يقتطعها البعض ويفصلها تماما عن هذا الإطار ويعتبرها أساس الدين الأوحد وليس فرعا من فروع الدين فيسهب في تفاصيل التفاصيل فيضل عن مقصد الدين ويضيع روحه. ونسوا أن العبادة هي مطلق الطاعة مع كمال المحبة أي محبة الله).
هل تُفتح في عقولهم نافذة تُطل على شمس النهار؟ أم أن نوافذ عقولهم مغلقةُ دوما فتحتبس رئاتهم بالأنفاس العطِنة والزفرات القميئة ؟ والأفكار السوداء؟
لن أقبل أن استبدل احتلالا ماديا باحتلال قلبي أو عقلي أو روحي تحت مظلة الدين، أو بالأحرى الفهم القاصر للدين، الذي لا أراه كما يرونه ولا أؤمن به من خلالهم أبدا.
أنا والله سبحانه وتعالى في تصالح، فما شأنكم أنتم ! وأنا وربي في قرب ووئام فما شأنكم أنتم؟ وأنا وخالقي في أحسن حال فما شأنكم أنتم ؟ فجنتي وجحيمي في صدري فمالكم أنتم؟ أكنتم سدنة جهنم أم حراس العقيدة؟ أم تظنون أنفسكم حملة مفاتيح الجنة الثقيلة أم إنكم الأصنام الجديدة تحت يافطة النبوة على وزن ما فعلت سجاح ومسيلمة الكذاب والأسود العنسي!.
غوروا من وجهي، وجِدوا لكم رزقا حلالا بعيدا عن (التوقف والتبيّن) في عقول الناس، وفي أرواحها المتمردة، فلستم بالشريعة المدّعاة تلبسونني ثوب الأيمان ولستم بتفسيراتكم الملعونة المغمسة بذهب السلطة فيكم والكرسي والهيلمان تجلبون لي ثوب النجاة في مركب الإبحار في محيطات اللبن والعسل والمزاج الكافور.
أخاف أن استبدل احتلال أرضي وفضائي بالعدو المغتصب بمن يغتصب عقلي وشرفي وروحي الحرة أبدا، تحت ادعاء باطل إلى يوم الدين أنه مفوض من الله سبحانه، وأنا عبدته كي أتحرر! ولا أُدبر أبدا، فكيف لي أن أطيق وخزات طوق العبودية المؤلمة حول عنقي وأنتم تجار الدين؟
ما كنت مسلما بكم ولا بغيركم، وأنا وآدم أسلمنا في وقت واحد، ونشأ معنا إسلامُنا وجال وصال وعمّ كل الأرض، فعبدتُ الله الواحد الأحد الفرد الصمد على يدي حبيبي محمد، كما عبده غيرنا على دين الهندوسية أوالبوذية أوالمسيحية أو اليهودية أو الزرادشتية، هذا شأنهم، فتوقفوا عن أكاذيبكم وافعوانياتكم واخرجوا من عظامي لا أم لكم.
أتجردونني من هِبة الله التي ميّزني فيها عن سائر خلقه فتقفزون في حلقي وتفرضون عليّ شروط الإيمان وأركان طاعتكم وأصول دعوتكم الفاجرة تحت مظلة الإسلام وهو بكم كسيح ؟ أم تفرضون القيود والسلاسل على المسلمين دونكم، الرافضين للأصنام أمثالكم؟
لستُ مضطرا لتقديم الهِبات عند أقدام الآلهة لأدخل الجنة، ولست مضطرا لأن أدخل معبد الآلهة من أصنام اليوم لتُكتب لي الشهادة، ولست بوارد أن أُسلّم مفاتيح عقلي لصنم مثلكم يتأبط سيفا ويعتمر عمامة ويحمل في موسوعة غينيس رقما قياسيا في طول اللحية أو قصر الدشداشة.
تبا لكم، فأنتم وما تعبدون، وأنا وما أعبد، أنتم تعبدون أنفسكم وتقدسون أكاذيبكم وقناتكم المُدّعاة الوصل بالله تعالى، وهو عنكم والعالمين جميعا الغني.
أسلمت أمري للذي فطر السماوات والأرض، وأنا بكم من الكافرين، ففِرّوا من وجهي قبل أن أرميكم الى الهاوية، أو أُحطم كبيركم، بجيوش حُبّي فلا يجد أحدا يستدل عليه ليواري سوءَته إلا غرابكم الأرعن.