"سبحان الذي أسرى" - د. محمد رمضان الأغا
كلمات رب السماء الى عبيده في الارض صاعقات عظيمات مخيفات مجلجلات معجزات من يصدقها ومن ينكرها ومن يستهزئ بها لكنها بقيت خالدة كمنزلها سبحانه ما أعظم شأنه.
كلمات تكتب شهادة ميلاد جديدة لهذه الامة وميلادا جديدا للقدس والاقصى وميلادا جديدا لعبادة فرضت ليلتها على كل مسلم: خمس في العمل وخمسون في الميزان ويضاعف الله لمن يشاء؛ لعظمتها فرضها الله على خير أمة ورسولها العظيم في حضرته الالهية تعظيما لها من شعيرة وتكريما للنبي واكراما للأمة التي أخرجت للناس من بطن الخير لتكون قمة الخيرية.
لقاء مكة ببيت المقدس ولقاء الكعبة بالأقصى ولقاء سيد الخلائق صلوات الله عليه بكل الانبياء يصلي بهم اماما في رسالة للعالمين هذا خاتم الانبياء فاتبعوه؛ ولقاء سيد الخلائق بربه ممثلا لأمته واتباعه ومرسخا للمكانة التي خص الله بها هذه الامة بين سائر الامم على مدار التاريخ. هو اللقاء المشهود الذي ليس مثله لقاء منذ خلق الله هذا الكون.
الاسراء هو الطريق: طريق الفتح وطريق الجهاد وطريق المقاومة وطريق العودة؛ وطريق الارض للأرض وطريق الارض للسماء وطريق الافتتاح للختام وطريق البداية للنهاية وطريق النصر المحتوم. الاسراء هو الحياة "اذا دعاكم لما يحييكم"؛ الاسراء هو الطريق لختام دورة الحياة من مكة الى بيت المقدس.
وينتقل مركز الثقل الكوني من مكة الى القدس ومن القدس الى مكة ثم الى المدينة عاصمة الخلافة الاسلامية ثم الى دمشق ثم الى بغداد ثم الاندلس ثم الى قاهرة المعز ثم الى اسلامبول: حيث الامتداد الجغرافي الواسع ثم السقوط المدوي للخلافة .... ثم الى القدس من جديد لتعود عاصمة للامة لنحيا ذلك اليوم ... يوم شيدها سيد الخلائق قائدنا صلوات الله عليه ودشنها عاصمة خاتمة لتداول الايام بين الامم والشعوب دولة وعاصمة كونية حيث عنها لا هروب ولا محيد.
يومها تغسل الارض ادرانها؛ ويكون الفتح الثالث؛ ليرتل المؤمنون جميعا وبصوت واحد يملأ ارجاء الكون "سبحان الذي اسرى" و "اذا جاء نصر الله والفتح" ليفرحوا فرحا شديدا بنصر الله ولتكون مدينة بيت المقدس عاصمة الامة جمعاء اليها يحج الحجاج عبادة وحبا وشوقا واشتياقا ودموعا وبكاء وحنينا وسلاما وسلما وتسليما وعزة وكرامة وخشوعا وابتهالا ودعاء وتحديثا بنعمة الله على عباده الذين بذلوا الاغلى مما يملكون من نعم الله عليهم؛ يومها ستدخل الامة القدس راكعة ساجدة بين يدي الله كما ذاك اليوم الذي سجد فيه حبيبهم صلوات الله عليه بين يدي ربه إماما لكل الانبياء والرسل؛ وتمام كما سجد ليلة الاسراء بين يدي ربه وتحت عرشه وفي حضرته في مكان لم يصله ملك مقرب ولا نبي مرسل.
فتوافق ذكرى التهجير مع ذكرى الإسراء والمعراج ليست بالصدفة وإنما هي بشارة من بشائر العودة والنصر من الله عزوجل الذي يقول في محكم كتابه " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم"