القطيعة بين "حماس" وإيران - عمر حلمي الغول
حاولت جمهورية إيران الاسلامية تخطي خيانات حركة حماس لتحالفها معها، في أعقاب إنقلابها على التحالف مع النظام السوري، وإدارتها الظهر لكل الروابط معه، وانحيازها الكامل مع جماعة الاخوان المسلمين فرع سوريا والتنظيم الدولي للجماعة وشركائها العرب والاقليميين. وابقت قناة تواصل بينها وبين كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة، مراهنة على إمكانية ان تعيد "حماس" النظر بسياساتها، لان بعض اعضاء المكتب السياسي ل"حماس"، منهم عماد العلمي ومحمد الضيف، أكدوا حرصهم على العلاقة مع إيران. مما حدا بجمهورية الملالي مواصلة الدعم للجناح العسكري.
غير ان الرهان الايراني سقط مرة اخرى في متاهة حسابات جماعة الاخوان المسلمين عموما وفرعها في فلسطين بشكل خاص، بعد ان انحازت بشكل صارخ في دعم "عاصفة الحزم"، مما حدا بالقيادة الايرانية وحزب الله في لبنان من ابلاغ قيادة حركة حماس قرارا صريحا وواضحا بالقطيعة الكلية بينهم وبين حركة حماس بسبب ما ذكر آنفا. لان سياسات الحركة تنكرت لكل اشكال الدعم الايرانية. وعمليا أوقفت جمهوري’ إيران الدعم للجناح العسكري ل"حماس" في ابريل الماضي، مما اثار ردود فعل حادة في اوساط كتائب القسام، إستدعت ان يوجه محمد الضيف، رئيسها، وعضو المكتب السياسي رسالة لقيادة الحركة ، طالبهم فيها، بضرورة إعادة النظر بالسياسات، التي تتبعها تجاه إيران. وسجل إنتقادا حادا لتورط حركته في الصراعات الدائرة في المنطقة. أضف إلى ان الدكتور محمود الزهار، حاول في خطبة الجمعة إرسال رسالة للقيادة الايرانية، من خلال تأكيده على وقوف "حماس" مع الشعب اليمني الشقيق، الذي وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وادان العدوان عليه دون ان يسمي العربية السعودية.
حاولت قيادة الحركة تهدئة الامور من خلال الطمأنة بايجاد بدائل عربية، لكن قيادة القسام، إعترضت على تلك البدائل، لان تمويلها مطلوب تثبيته بفواتير وتدقيق في اليات الصرف والجهات، التي تحصل عليه. وهو ما رفضه الضيف واقرانه في قيادة كتائب عز الدين القسام، وهددوا باتخاذ إجراءات منفردة لحل معضلتهم.
التناقض بين القيادتين السياسية والعسكرية في فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين، فضلا عن التناقض بين التيارات السياسية في الحركة، تشي بأن الحركة ماضية قدما نحو مرحلة جديدة من الصراعات بين اجنحتها. وقد تدفع كتائب عز الدين القسام للجوء لخطوات تصعيدية بالخروج عن طاعة القرارات المركزية للحركة، ومد الجسور مع إيران، مع ما يعنيه ذلك، من تمرد داخلي، ينحو لخيارات إنقسامية، قد تهدد وحدة "حماس". خاصة وان بعض اجنحة الكتائب، تعمل بشكل غير معلن مع الجماعات التكفيرية، او بتعبير ادق، بعضها بات جزءا من تلك الجماعات، ولكنه يفضل البقاء تحت عباءة القسام حتى تحين اللحظة المناسبة للخروج عن طاعتها، والاستقلال كليا عنها. وهذه المجموعات بالضرورة لها مصلحة قوية في توسيع دائرة التناقضات بين الجناحين السياسي والعسكري للحركة، لانه بمقدار ما تتسع الهوة بين الجناحين، بمقدار تقترب الفرصة السانحة لهم لتحقيق هدفهم في اولا خلع عباءة القسام؛ وثانيا الاعلان عن اطرها الخاصة او الاندماج مع الاطر التكفيرية الموجودة المنسجمة معها في الرؤى والاجتهادات.
دون مبالغة المشهد الداخلي ل"حماس" يتجه نحو مزيد من الصراعات، ولن ينفع الحركة التغطية على تلك التناقضات بغربال ممزق من التصريحات الباهتة لناطقيها الاعلاميين، لان قبضتها الداخلية تتراخى أكثر فاكثر على المستويين التنظيمي والسياسي والعقائدي، وعلى مستوى العلاقة مع الجماهير الفلسطينية في محافظات الجنوب، هذا من جهة، وعلى المستوى الوطني العام من جهة ثانية. وبالتالي رهان ترجمان الاسرائيلي على قبضة حماس القوية، سيكون رهان خاسر، كما خسرت إيران في رهانها على جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين.