الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وضرورات التطوير - ريما كتانة نزال
في بيانه الختامي، يتخذ المجلس الإداري للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية جملة من القرارات، بعضها ذات صلة بالبرنامج الوطني والاجتماعي، والبعض الآخر الذي سأتعرض له، ذو صلة وثيقة ببنية الاتحاد وهيكليته التنظيمية.
فكما جرت العادة في قرارات اجتماعات الهيئات التشريعية، تكون القرارات ذات الصفة التنظيمية هي الأهم؛ نظراً لطبيعة المرحلة التي تشهد نكوصاً بات مزمناً، ولضرورات الإصلاح والتغيير التي تضعها الهيئات الجادة على رأس أولوياتها، وفي حالة اجتماع مجلسنا الإداري، ينبغي النظر إلى القرارات «نصاً وروحاً وتطبيقاً» كحزمة مترابطة، ودون ذلك، تصبح لغواً فائضاً عن الحاجة.
قرر المجلس، الهيئة المقررة ما بين مؤتمرين، تدارس متطلبات عقد المؤتمر العام السادس للاتحاد في نهاية عام 2016، وقرر التحضير لعقد حلقة دراسية في الذكرى الخمسين لتأسيس الاتحاد، تستهدف مراجعة الإستراتيجية والنظام الأساسي، وقرر كذلك، الحفاظ على هوية الاتحاد كتنظيم شعبي ديمقراطي قادر على حمل هموم المرأة المعيشية والدفاع عن قضاياها.
حسناً فعل المجلس، حين قرر تدارس الذهاب إلى المؤتمر العام السادس، مهجوساً بتجديد شرعية هيئاته حسب نظامه الداخلي، وحسناً يفعل بعدم النوم على حرير تمايزه عن باقي المنظمات الشعبية، بسبب إنجاز عقد مؤتمره العام الخامس التوحيدي عام 2009، وتجديد هيئاته بعد عودة قيادته إلى أرض الوطن في عام 1994، ولكن في حال عدم جاهزيته لعقد مؤتمره السادس، وهو سبب وجيه، فأعتقد أن أحداً لن يوجِّه له أية سهام لإخلاله، فالجميع في فلسطين مخلٌّ بالمواعيد وفاقدٌ لشرعيته.
ما يهمني في الذهاب إلى المؤتمر، القدرة على عقد مؤتمر حقيقي يعبِّر عن حالة انتظام وفعل جماعي مؤثر في المحيط، وبنية تنظيمية واضحة المعالم، تُلمس جديتها خلال الأعمال التحضيرية نحو عقد مؤتمر ديمقراطي؛ من القاعدة وصولاً لقمة الاتحاد، امتدادها وانتشارها.
نريد مؤتمراً ذا قيمة مضافة يبني على نتائج المؤتمر التوحيدي، الذي أخرج الاتحاد من مرحلة انتقالية طويلة، من حالة اتحاد تأسس في الوطن، لكنه أزهر ونما وتوسع خارجه ومن ثم عاد إليه، من حالة اتحاد تكرَّس على أكتاف ومقاس مخيمات الخارج، إلى مؤتمر مركَّب يتشكل من حلقات تنظيمية متجاورة، كل حلقة تعبِّر موضوعياً عن سمات الحالة الفلسطينية، وطن تحت الاحتلال يناضل من أجل تحريره، وأوطان مؤقتة تناضل من أجل عودتها، ويتجدل فيها البرنامج الاجتماعي والحقوقي النسوي.
وتعبر في الوجوه الأخرى، عن علاقة الامتدادات بمحور ودينامو الاتحاد، الذي يعرِّف نفسه مفتخراً بالتعريف، منظمة شعبية ديمقراطية تحمل هموم المرأة وتدافع عنها، هذه الحكاية التي علينا الغوص في تلافيفها، من أجل توصيفها، موقعها، تجذّرها، تمثيلها، ماذا حققت وكوابحها المانعة، ومتى تصطدم بالسقف، وما الذي يجب أن يتم عمله ولم يعمل للحفاظ على الهوية، قولاً وفعلاً، وبما يعبِّر عن هموم المرأة ويدافع عنها، كما قال البيان.
وكمساهمة في متطلبات النقاش الصريح، ونحن ذاهبون إلى خوضه في الحلقة الدراسية، أرى أن الاتحاد قد تجاوز أزمات عديدة، في تطوير إستراتيجيته وبرنامجه الاجتماعي وتطور على صعيد الأداء والإقرار بقياديته نظراً لبرنامجه الشامل.
إلا أن الأزمة التنظيمية كاتحاد جماهيري لم يجتازها بعد، ودون أن أبدو تبريرية؛ أرى بداية أن أزمته جزء من أزمة الواقع الفلسطيني الذي ليست أحد سماته، راهناً على الأقل، معالم النهوض الوطني العام، الذي في مناخه تُستنهض الأطر والحركات الاجتماعية، العمالية والشبابية والنسائية وغيرها.
كما أن الاتحاد، وبما أنه أحد قواعد منظمة التحرير ومكوناتها السياسية، لم يفلت من انعكاسات أزماتها ومآزقها ومراوحتها، وتراجعها الجماهيري، وليس أفضل من مرآة المرأة ومنظماتها لرؤية انعكاس الأزمة الفكرية والاجتماعية والجماهيرية بادية بوضوح على صفحتها المصقولة.
لقد اعتمد المؤتمر الخامس النظام الانتخابي النسبي، كما أقر العضوية عن طريق الانتساب الفردي، للخروج من الدائرة النخبوية نحو تنظيم حملة تنسيب واسعة دون تمييز على أساس حزبي، وإيجاد الصيغ المحلية والوسيطة التي تتمكن من ربط الجمهور بهيئات الاتحاد على مستوى القاعدة، ما يمكن الاتحاد من التحول إلى اتحاد جماهيري، وبناء الهيكل والهيئات الوسيطة، وينقل مركز الثقل إلى الهيئات الوسيطة والمنظمات القاعدية، ويخفف الفجوة بين الهيئات القيادية والقاعدية ويجسرها؛ ويحول دون بقاء العضوات مجرد أوراق انتساب، تستخدم في مفاوضات تشكيل الهيئات والمحاصصة.
في التجربة العملية، جرى إخفاق على هذا الصعيد، اعتبارات ذاتية وموضوعية تقف خلف الحكم، وما جرى فعلياً، تنسيبات تجميعية عشوائية محدودة، لم تمكِّن الاتحاد من تحسين بنيته وتجديد دمائه، ولم تضع باعتبارها استهداف قطاعات يمكنها لعب دور هام، الموظفات والمهنيات وغيرهن، لتطعيم الهيئات بهن، ولم تخدم عملية التنسيب وتشكيل البنى المحلية من ربط القاعدة الواسعة بالاتحاد وبرنامجه، بصيغ فضفاضة ومرنة، لكنها تجعلها قاعدة حقيقية مشاركة في أنشطته وتنتمي لبرنامجه وتؤيده، وقادرة على فرز قيادات محلية وعلى مستوى المحافظة والوطن.
هذه واحدة من النقاشات التي كان ينبغي التحاور حولها، التنسيب الفردي بما له وعليه.
وربما سأجد لأنفسنا العذر، بأن على الأمانة العامة نقاشه أولاً، وتقديم مطالعتها وتقييمها له..وللمقال بقية.