عبقرية الرئيس.. واستراتيجية تدويل الحل - موفق مطر
لا يتعلق قبول القيادة الفلسطينية بمؤتمر دولي بأمر مستوى الثقة بالإدارة الأميركية او عدمها, أو بقدرة الاتحاد الأوروبي على لعب دور مؤثر أهم في الحل, وإنما بالعمل على قاعدة انجاز استراتيجي في مسار القضية الفلسطينية, والدخول في مرحلة تاريخية جديدة لا يجوز فيها العودة للوراء مهما كانت الصعوبات والتضحيات, خاصة بعد تقديم القيادة بإخلاص وصدق نوايا كل ما لديها من مرونة - لم تتجاوز الخطوط الحمر والثوابت الفلسطينية المتفق عليها وطنيا -لإنجاح عملية سلام, تفضي إلى قيام دولة فلسطينية حسب البرنامج السياسي الوطني الفلسطيني, والمبادرة العربية, لذا فقد واجهت القيادة الضغوط الأميركية المباشرة, بـ (لا ) كبيرة وقوية, متينة صلبة مستمدة من إرادة الشعب الفلسطيني, ولم تثن ابو مازن تهديدات (بلطجية) اسرائيل, وتعزيز حضور حماس في الضفة كورقة ضغط.
نعلم جيدا محاولات الولايات المتحدة لاحتكار حل القضية الفلسطينية وفرض اجندتها ومفاهيمها للحل كراع وحيد لتنفيذ اتفاق اوسلو حيث عملت عن قصد لإضعاف دور الدول الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن, ودور الاتحاد الأوروبي, و"الرباعية الدولية", بهدف تحويل القضية الفلسطينية من قضية شعب يكافح من اجل تمكين ملايين الفلسطينيين من حق العودة إلى أراضيهم ومدنهم وقراهم وبيوتهم في وطنهم التاريخي والطبيعي فلسطين، التي هجرتهم منها العصابات الصهيونية المسلحة و(جيش اسرائيل)، وحق تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية مستقلة، الى قضية ضمان الأمن لإسرائيل وسيادة كاملة على الحدود والموارد والشريان الاقتصادي, مع رفاهية اقتصادية محدودة, وتحسين سبل العيش, وسيطرة محدودة للفلسطينيين تبقى اقل من مستوى مفهوم الحكم الذاتي, الذي حددته اتفاقات اوسلو في صيغة (السلطة) كمرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات فقط للانتقال مباشرة إلى دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
لقد احدث قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 19/67 في 29 نوفمبر 2012 تحولا جذريا في مسار القضية الفلسطينية, والصراع الفلسطيني العربي مع المشروع الصهيوني الاستيطاني الذي تجسده دولة الاحتلال اسرائيل, ونقل الصراع على الأرض, من ارض متنازع عليها إلى ارض دولة محتلة ( دولة فلسطين), يتوجب على دولة الاحتلال (إسرائيل) الانسحاب منها, وهذا ما نص عليه القرار 19/67 الذي طالب مجلس الأمن بتحديد موعد نهائي لإنهاء احتلالها, والاعتراف بحدود الرابع من حزيران حدودا لدولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.
بعد هذا الانجاز التاريخي المحسوب لمنهج وفكر وعبقرية الرئيس محمود عباس ابو مازن, ومعه المخلصون الصادقون من قيادات العمل الوطني, أطلقت القيادة الفلسطينية مرحلة جديدة للعمل السياسي, ومن اجل انهاء الاحتلال, وتجسيد هدف حل الدولتين, فطالبت بمفاوضات ترتكز على مرجعيات دولية, أهمها القرار 19/67 وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية, وتحديدا القرار 194 المتعلق بقضية اللاجئين, وتعاملت بايجابية مع كل الاقتراحات بعقد مؤتمرات دولية ما دامت تحمل صيغة واضحة لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن, وتستجيب للمبادرة العربية, كمنطلق لحل الدولتين الدائم..فبعد اعتراف حوالي مئة وأربعين دولة في الأمم المتحدة بدولة فلسطين كعضو بصفة مراقب, لم تعد القضية الفلسطينية مشكلة وصراعا بين الشعب الفلسطيني واسرائيل وحسب, بل تعدت دائرة الصراع الوطني والقومي العربي مع إسرائيل, لتصبح صراعا بين دولة الاحتلال (اسرائيل) والمجتمع الدولي بقوانينه وشرائعه ومواثيقه, وإرادته في خلق توازن في العلاقات بين الدول، لضمان سيادة مبدأ السلم والسلام, الذي يتحقق بشرط احترام الحقوق التاريخية والطبيعية للشعوب في اراضيها ومواطنها، وحقها في تقرير مصيرها والتمتع بالحرية والاستقلال والسيادة على مواردها وحدودها البرية والبحرية والجوية.
نعول على منظومة دولية تعي أبعاد تحالفها في حرب ضد الإرهاب, الذي لا يمكن تحقيق أهدافه, دون سحب الذرائع من الجماعات الارهابية, وما دام الإرهاب رقم واحد ( الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي ) قائما على ارض دولة فلسطين المعترف بها, كما نعول على تحولات عربية استراتيجية بقطبيها جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية, بعد ثورة يوليو, وعاصفة الحزم, في اظهار ارادة عربية ملموسة في الحفاظ على الأمن القومي العربي, الذي لن يتحقق كاملا دون انهاء الاحتلال الاسرائيلي وانسحاب جيش إسرائيل من الأراضي المحتلة منذ الخامس من حزيران 1967.
مكننا الاعتراف الأممي بدولة فلسطين, من تثبيت ولاية الدولة على اراضيها في الضفة وقطاع غزة والقدس الشرقية, حيث تمنحنا القوانين الدولية حق السيادة عليها، وشرعية أي اجراء على أرضنا, ويصبح نافذا بقوة القانون الدولي, قبلت او لم تقبله دولة الاحتلال.