الذات والحساب الخاطىء - عمر حلمي الغول
المقولة القائلة " لكل زمان دولة ورجال"، أكدتها التجارب التاريخية في العصور المختلفة. فما هو جائز في زمن معين، لا يكون بالضرورة جائزا في زمن آخر. وإن حدث وتكرر لسبب ما، يكون عندئذ الاستثناء. غير ان هناك أشخاص ينسوا او يتناسوا في لجة الاحداث والتقديرات الشخصانية الخاطئة للذات، والافتراض غير الواقعي، ان " الدولة او المؤسسة لا تقوم لها قائمة، إن لم يكونوا في مركز قرارها." وان مسيرتها "ستتوقف بدونهم!". إلآ ان أمثال هؤلاء الاشخاص، الذين تبوأوا مراكزاً مهمة في زمن سابق، لا يستطيعوا الادراك او الانتباه إلى ان الزمن لم يعد زمنهم، وان دورة الحياة والدولة لن تتوقف بغيابهم، ولو دققوا في المقولة او المثل الشعبي القائل: "لو دامت لغيرك .. لما كنت موجودا في موقعك!" لتيقنوا ان غيابهم لن يؤثر في عجلة الاحداث، ولا يوجد كائن من كان لايمكن الاستغناء عنه.
غير الاستنتاج العلمي القائل، بان الازمان والدول وشخوصها تتغير في ضوء تغير الاحوال والتطورات الجارية هنا او هناك، ليس قطعيا وإطلاقيا، لان هناك إستثناءات، لان هناك اشخاص تستشرف المستقبل، وتنظم علاقات مع القوى الصاعدة، وتعمل على تأكيد الحضور في المشهد السياسي، طالما واصل النظام السياسي ذاته البقاء، حتى وان تغير صانع القرار او القوى الممسكة بزمام الامور فيه. وبمقدار ما يستطيع شخص ما من تعويم نفسه مع القوى الجديدة، وإستطاع التناغم معها، بمقدار ما يمكنه الحضور والبقاء في صدارة المشهد. لكن إن حاول هذا البعض التذاكي أكثر مما يجب، وحاول تقمص دور "الحاوي" الفهلوي، الذي لا مثيل له، وتجاوز حدود الممكن والمقبول، فإنه كما تقول المقولة الشعبية "كمن يحفر قبره بيده"، لان من خبره سابقا في الزمن الماضي، لا يمكن ان يسمح له بممارسة ذات الدور مرة ثانية، ويعمل على حصاره وعزله او إقصائه جزئيا او كليا إرتباطا باليات عمل النظام السياسي.
لكن بعض الاشخاص لا يتعظوا من تجربتهم الشخصية ولا من تجربة التاريخ، فيواصلوا البحث عن الذات في خضم الصراع بين القوى المتصارعة على النظام، ويقومون بنقل "البندقية من كتف إلى كتف آخر" عبر الانتقال التدريجي، وتحت يافطات وعناوين تقبل القسمة على الكل في الساحة السياسية. لذا يأت تغيير خطابهم ولونهم السياسي بطريقة مقبولة نسبيا، لانهم يلبسون مواقفهم ثوب الدفاع عن "المصالح العليا" و"الحرص على الذات الوطنية" .... إلخ من الشعارات البراقة. إلآ انهم لا يدرون ان الخاصة والعامة من المواطنين يعلموا خلفياتهم واهدافهم الشخصية.
أضف الى ان امثال اولئك الاشخاص، المكشوفين من القوى السياسية كافة، باشكالها وتلاوينها المختلفة، يعتقدوا ان تغيير خطابهم، ومحاولات تقربهم من القوى المتناقضة مع النظام السياسي، ومد الجسور مع رموزها، يؤمن لهم مواصلة "البقاء في صدارة" المشهد السياسي. غير أن الفطنة خانتهم، وساء ذكاءهم قراءة اللحظة السياسية. وافتراضهم، ان قوى الانقلاب الحمساوي، يمكن ان تستوعبهم او تتعامل معهم كارقام اساسية في المشهد السياسي، هو افتراض غير واقعي. لان هدف حركة حماس من التعامل معهم، هو الاستفادة منهم كمفاتيح لبعض الابواب الموصدة امامهم. ولكن بعد الحصول على حاجتها منهم، ستلقي بهم جانبا، ولن تنظر لهم، هذا إن لم تتخذ اجراءات لا يحمد عقباها تجاههم في لحظة معينة لاحقا.
لذا على الاشخاص الباحثين عن دور اساسي في المشهد السياسي، التدقيق في خياراتهم الخاطئة، حتى لا تكون نهايتهم غير محمودة.