عباءات اسرائيلية
لا تريد اسرائيل، بمشروعها الاستيطاني الشره، غير ان ترى الشعب الفلسطيني، شعبا مشرذما، وليس على قلب رجل واحد، ولا لسان موحد، يعلي خطاب مشروعه الوطني التحرري، خطاب الدولة المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
لا تريد اسرائيل غير ذلك، بل انها تعمل باستمرار على ما يحقق لها مشهدا فلسطينيا حافلا بالفرقة والتنافر، وضاجا بألسنة كمثل ألسنة بابل، هذه التي تخلط المواقف والرؤى بعضها ببعض، فتزيدها ارتباكا وغموضا وشرذمة، حتى يتقد الشر بين اصحابها فيتقاتلون فيما بينهم، ليحظى احتلالها بمزيد من السيطرة والاستيطان...!!
من بين ما تفعل اسرائيل وتعمل في سبيل تحقيق مشهد من هذا النوع، هو ان تسمح لجماعات التحزب الاسلاموية، خاصة في القدس المحتلة، بالحضور المختلف العنيف طالما انه ضد المشروع الوطني الفلسطيني، تفتح لها الدروب والسبل، دون مراجعة ولا تضييق، كما تفعل تماما مع جماعات حزب التحرير، وحماس وبعض السلفيين، هذه الجماعات الماضوية، التي تريد ان تعود بالتاريخ اربعة عشر قرنا الى الوراء، لا من اجل تحرير فلسطين، وانما من اجل العودة بوهم البلاغة وشعاراتها الكبيرة، الى نظام حكم قضى وانتهى، ولم يعد ممكنا ولا بأي حال من الاحوال، وهو الامر الذي لا ترى فيه اسرائيل خطرا عليها ولا من اي نوع كان، فتسمح لشعارات هذا الوهم وجماعته بحرية الحركة والحضور، بل وبحرية التخريب والفوضى، التي تستهدف جعل القدس ساحة للفتنة بين الفلسطينيين، وأبوابا مغلقة بوجه زيارات التضامن والدعم العربية والاسلامية، الزيارات التي تريدها فلسطين من اجل دحر محاولات الاحتلال تهويد عاصمتها، وكسر حصاره لمقدساتها.
لا مهمة لهذه الجماعات اليوم سوى هذه المهمة القبيحة، التي تنفذها سواء عبر التنسيق المباشر من قبل بعض عناصرها، مع دوائر الاحتلال المخابراتية، او كتحصيل حاصل لتقاطع المصالح السياسية بين الاحتلال وقوى المشروع اللاوطني، مشروع جماعة الاخوان المسلمين، الذي يرى في الوطنية والقومية نقيضا لا بد من الاطاحة به..!!!
لا تسمح القدس بعد الان بالتغاضي عن هذه الحقيقة، ولا بد من تسمية الاشياء باسمائها، ووضع النقاط الصحيحة على حروفها الصحيحة، فلقد بلغ السيل الزبى كما يقال، وهذه الجماعات ما زالت تسيء للقدس في اعز وأرحب معانيها الاخلاقية السمحة، وفي اقدس ادوارها الرسالية، ان تكون مدينة للتقوى والسلام، ومنابرها ان تكون منابر تآلف وتعاضد ومحبة، ومقاومة حقة، ضد الاحتلال ومشاريعه التهويدية.
بالامس حاولت هذه الجماعات المأجورة ضرب وتخريب زيارة قاضي القضاة الاردني، الشيخ احمد هليل ووزير الاوقاف الاردني الشيخ هايل داود للمسجد الاقصى، وقبل ذلك تخريب زيارة قاضي القضاة الفلسطيني محمود الهباش، وقبله زيارة وفد من البرلمان الاردني الشقيق الذي كان برفقة رئيس كتلة فتح البرلمانية عزام الاحمد..!! لا مهمة لهذه الجماعات سوى هذه المهمة، التخريب واشاعة الفوضى تحت نظر قوات الاحتلال وبحمايتها الواقعية ان لم تكن المنسقة مسبقا، لعل ذلك يبقي المدينة المقدسة بعيدة عن اشقائها العرب والمسلمين، والاخطر لكي تبقى ساحة لمشاريع الاحتلال الاستحواذية والاستيطانية..!
لم نسمع من قبل، ان تصدت هذه الجماعات لاقتحامات المستوطنين وجماعاتهم المتطرفة التي تتواصل بشكل ممنهج. ابناء القدس الوطنيون وحراسها، هم من كانوا وما زالوا يتصدون لهذه الاقتحامات التي شرعنها الاحتلال بجداول زيارات تبيح للمستوطنين اقتحاماتهم التعسفية.
إن هذه الجماعات، بما ترتكب من اخطاء وخطايا وطنية، خاصة ايضا وهي تحاول ان تطلق وحش الطائفية في مدينة التسامح الديني التاريخية, ان هذه الجماعات وهي تفعل ذلك ليست سوى عباءات اسرائيلية، عباءات لم تعد قادرة على الخديعة ايا كانت شعاراتها وايا كان نسيجها، وعلى هذا فانها عباءات العري المشين، لا تستر شيئا، ولا تعطي لابسيها اية قيمة ولا اية مكانة, عباءات تبطن ما يطمح اليه الاحتلال، لكنها تظهره في الوقت ذاته, ولابسوها يهرولون خلف اوهامهم بالفوضى القبيحة، التي توجع قلب المدينة المعذبة، وهو ما يبهج الاحتلال وحده، ووحده فقط.
يبقى ان نقول ان المؤمن " لا ترديه رغبته ولا يفضحه لسانه ولا يسبقه بصره ولا يميل به هواه ومن علاماته حسن في رفق واعطاء في حق وقصد في غنى واحسان في قدرة", والحديث هذا للامام الحسن البصري الذي قال عنه الامام الغزالي " انه اشبه الناس كلاما بكلام الانبياء " فأين هي هذه الجماعات من هذه الصفات وهذه العلامات، وقد اردتها رغباتها، وفضحها لسانها، ومال بها هواها اللعوب، هوى الاوهام والعزة بالاثم والخطيئة.
رئيس التحرير