الروابط الفلسطينية الاردنية العميقة- عمر حلمي الغول
في الذكرى التاسعة والستين لتأسيس المملكة الاردنية الهاشمية، التي صادف حلولها يوم الخامس والعشرين من ايار الماضي، واحيتها سفارة المملكة في رام الله، وحضرها الرئيس ابو مازن شخصيا، لما لها من اهمية في الحسابات السياسية الفلسطينية، وللطبيعة الخاصة والحيوية بين البلدين والشعبين، وكون الاردن الشقيق يمثل إحدى رئتي (مصر تمثل الرئة الاخرى) ومتنفس الشعب الفلسطيني، وهذا ما اكده رئيس دولة فلسطين في كلمته الموجهة للشعب الاردني الشقيق وقيادته عموما ولجلالة الملك عبد الله بن الحسين، بهدف قطع الطريق على المتربصين بعلاقات الاخوة المتينة بين الشعبين. لاسيما ان هناك من يسعى بين الفينة والاخرى للهمس داخل المجالس الخاصة او علنا عبر وسائل الاعلام عن الفتور في العلاقات بين القيادتين الفلسطينية والاردنية، وهو ما تنفيه الوقائع ومسيرة العلاقات الثنائية المشتركة.
بالتأكيد جرت في قناة العلاقات الفلسطينية الاردنية مياه كثيرة، بعضها كان عكرا، ما فتح شهبة الخصوم للصيد فيها، اضف الى ان التاريخ ترك بصمات ثقيلة في مسار العلاقات الثنائية. غير ان الحكمة والشجاعة، التي اتسمت بها سياسات القيادات الفلسطينية والاردنية خاصة الرئيس محمود عباس والملك عبد الله الثاني، سمحت لهما بتعبيد طريق التواصل والتكامل بينهما، عندما أكد كل منهما ان "الاردن للاردنيين وفلسطين للفلسطينيين". الامر الذي ازاح عن كاهل كل منهما محاذير الماضي، وخشية الحاضر.
غير ان العلاقات الاردنية الفلسطينية على عمقها، وتناغمها وتكاملها في الملفات المختلفة، إلا انها اسوة بأي علاقة بين بلدين، ليست متطابقة، وقد تشوبها تباينات في التكتيك بشأن هذه المسألة او تلك. وهذا امر مشروع وطبيعي، لانه ليس بالضرورة ان يكون الطرف الفلسطيني نسخة كربونية عن الطرف الاردني او العكس. لكن كل منهما حريص على تبادل الرأي والمشورة مع الآخر، لما لذلك من اهمية لكليهما. وكون التشاور يعمق العلاقة، ويعزز الثقة المتبادلة، ويزيل الضبابية او الغموض بينهما، ويسقط المحاذير الافتراضية.
اما ذهاب البعض لرسم سيناريوهات عن خشية القيادة الاردنية من إمكانية قيام القيادة الفلسطينية بتوقيع "إتفاق" جديد مع إسرائيل على حساب المملكة الاردنية او على شاكلة إتفاق اوسلو، فهذا افتراض لا يمت للواقع بصلة. لأن القيادة الفلسطينية وعنوانها الاول محمود عباس، بقدر ما هو حريص على إحداث إختراق في جدار التسوية السياسية لبلوغ حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194، بمقدار ما هو معني بالتنسيق مع الاشقاء العرب جميعا عبر اللجنة السداسية عموما، والمملكة الاردنية وجمهورية مصر بشكل خاص. لانه يولي العلاقة مع كلا الدولتين اهمية خاصة، تتعزز دائما بضرورة التعاون والتنسيق معهما. وما كان جائزا في تسعينيات القرن الماضي لم يعد ممكنا في اللحظة السياسية الراهنة. اضف الى ان القيادة الفلسطينية دفعت ثمنا غاليا، وما زالت والشعب الفلسطيني يدفعون الثمن مضاعفا نتاج السياسات الاسرائيلية المعادية للسلام، والهادفة لتبديد التسوية السياسية، وضرب ركائز المصالح الوطنية العليا من خلال مخططات ومشاريع التهويد والمصادرة للاراضي والعقارات وتغيير معالم القدس.
إذا النتيجة المنطقية، التي لا يستطيع احد إسقاطها من حسابه في قراءة آليات عمل القيادة الفلسطينية، انها لن تساوم على اي من الاهداف الوطنية، وباتت أكثر إدراكا لاحابيل والاعيب السياسات الاسرائيلية والاميركية، ولم تعد تنطلي عليها اللغة المطاطة حمالة الاوجه والتأويلات، وايضا لن تفرط بمصالح الاشقاء في الاردن ولا في غيرها من العرب. لأن ما يهم الاشقاء يهم فلسطين وشعبها.
oalghoul@gmail.com