روايات من حزيران 1967.. نابلس الساخنة
بسام أبو الرب
لا يتسطيع مدير الأوقاف والشؤون الدينية في نابلس سابقا والأسير المحرر، زهير الدبعي (66 عاما)، إلا ان يغوص في أعماق التحليل والرجوع بالزمن 48 عاما للوراء، لاستخلاص العبر من 'نكسة' حزيران عام 1967، وقبلها نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده من أرضه.
الدبعي أحد الشهود على احتلال مدينة نابلس في حزيران عام 1967، تحدث لـ'وفا' عن مجريات الأحداث في تلك الأيام، وما قام به أهالي المدينة خلال احتلالها، فقال: ' كنت في المرحلة الثانوية بمدرسة الجاحظ في مدينة نابلس في العام 1967، وبدأت الأحداث عندما قامت حركة فتح أواخر عام 1966 بعملية في قضاء الخليل الذي احتل عام 1948، بتفجير لغم أصاب عربة عسكرية اسرائيلية ألحق أضرارا جسمية بها وأوقع إصابات؛ حيث قام الجيش الاسرائيلي بهجوم كبير على بلدة السموع، وهدم عددا كبيرا من المنازل والأبنية والمنشآت' .
وأضاف 'ان وحدات من الجيش الأردني قد تصدت لهم، غير أن القوة الاسرائيلية وقدرتها كانت أكبر بكثير من التصدي لها، بعد ذلك قررت الحكومة الأردنية بأن تقوم بما يطلق عليه بخدمة العلم 'المكلفين'، وأخذت فئات عمرية على دفعتين وتم تدريبهم في الجفتلك في الأغوار، وكان يتم استثناء بعض الحالات'.
واشار الى انه في صباح يوم الاثنين 5-6-1967 كان بيان من إذاعة القاهرة يتحدث عن إسقاط 27 طائرة إسرائيلية اعتدت على مصر، وكان هذا اعلان أنّ هناك حرب، وبدأت الأخبار تتوالي بالانتصارات حتى اليوم الثالث، حيث تسربت أخبار باحتلال مدينة قلقيلية وتهجير جميع أهلها وهدم ما يقارب 60% من منازلها، إضافة إلى احتلال قرى اللطرون الثلاث وتهجير أهلها وهدم مساجدها الأربعة، حيث كانوا يهدمون البيوت على راس ساكنيها في بعض الروايات'.
وبين الدبعي أن أهالي قلقيلية هجروا من بيوتهم وألقى بهم الاحتلال على ضفاف نهر الأردن، ومنهم من لجأ الى مدينة نابلس وقراها، وحاول الاحتلال إقامة مخيم لهم بين مخيمي عسكر وبلاطة، ورغم الضغوطات على رئيس البلدية نابلس آنذاك حمدي كعنان، لكنه رفض مقترح إقامة مخيم لهم، وأصرّوا على عودتهم الى ديارهم وذلك بفعل صمودهم وصمود مدينة نابلس.
وقال: إنه في يوم الأربعاء ثالث أيام الحرب، بدأ عدد أكبر من المواطنين يشعرون بالقلق، نتيجة احتلال المدن والخوف من ارتكاب المزيد من المجازر، وعند الظهيرة بدأت طلائع قوات الاحتلال التي جاءت من منطقة جنين، من طريق الباذان تقتحم مدينة نابلس وتحتلها، بعد استشهاد عدد كبير ممن استطاعوا المقاومة من الجيش العربي الأردني والمواطنين'.
وتابع: 'اقتحام الجيش الاسرائيلي جاء من شارع فيصل شرقي المدينة، وصولا للمقبرة الشرقية، وكان عدد من الناس يهتفون لهم؛ كون بعض الدبابات كانت ترفع أعلاما عربية وصورا للزعماء العرب، وظن الكثير انها وحدات عراقية او جزائرية'.
واضاف ان وحدات من جيش الاحتلال اطلقت النار على المواطنين، الأمر الذي أدى الى استشهاد مواطن من آل أبو ربيع وقتها، وأخذت المقاومة تشتد في محيط المقبرة وحتى شارع الأرصاد بنابلس الذي شهد إعدام عدد من المقاومين بعد اعتقالهم وربطهم وزجهم في أحد الكهوف، إضافة الى استشهاد أول امرأة في مدينة نابلس ابريزة الميناوي، والتي قتل الاحتلال حفيدتها التي تحمل ذات الاسم عام 2004 بينما كانت تدرس على سطح المنزل .
وتحدث عن المعارك التي دارت غرب مدينة نابلس، وبسالة الجيش العربي الأردني ومن معه، في استهداف دبابات الاحتلال، إلا ان الطيران الاسرائيلي استهدفهم بقنابل ' النابالم' وقتلهم جميعا.
وتابع الدبعي: 'قائد الوحدة العسكرية التي احتلت نابلس، استولى على بيت راشد النمر الذي كان وزيرا آنذاك، وطلب رئيس البلدية حمدي كنعان، تسليم المدينة رغم انها محتلة بالأصل، موضحا ان قوات الاحتلال كانت تسيّر حافلات الى العاصمة الأردنية عمان وبدون مقابل لنقل الفلسطينيين'.
وتحدث الدبعي عن دور بلدية نابلس الاستراتيجي في رفع جثامين الشهداء من الجيش العربي الأردني، ومساعدة أهالي قلقيلية وعودتهم الى بيوتهم وإزالة ركامها و شبكتي المياه والكهرباء. ويذكر أنه دارت على أطراف نابلس معركة شرسة بقيادة الجيش العربي الأردني الذي قاوم حتى آخر نفس وأوقع عددا من القتلى الإسرائيليين يضاهي تقريبًا عدد الشهداء من الأردنيين، وأنه لولا تفوق سلاح الجو الإسرائيلي لكان من الممكن تحقيق نصر للجيش الأردني فيها.
وحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني فان نزوح المهاجرين أدّى إلى زيادة عدد السكان في مدينة نابلس، حيث كان عدد السكان (25000) نسمة عام (1948م)، ليصبح (61000) نسمة عام (1967م).