دولة الاستيطان والمستوطنين - غازي السعدي
طلع علينا البهلوان والمخادع "بنيامين نتنياهو"، في نهاية الشهر الماضي، بخدعة جديدة، معتقداً أنه "مفتح بين عميان"، فقد دعا أثناء اجتماعه في منزله مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، "فيدريكا موغريني"، لإجراء مفاوضات مع الفلسطينيين، على حدود الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، التي سيتم ضمها للسيادة الإسرائيلية، في إطار اتفاق سلام مستقبلي دائم، وإعطاء أراضٍ بحجم أراضي هذه الكتل للفلسطينيين، من داخل الخط الأخضر-لكنه تجاهل إعطاء أرض مقابل المستوطنات- وبدلاً من الاعتراف بحدود عام 1967، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، فحسب "هآرتس 26-5-2015"، يستطيع "نتنياهو" الاستمرار في البناء الاستيطاني في أية منطقة من مناطق الضفة الغربية، ونقلت "هآرتس" عن مسؤول إسرائيلي قوله، أن "نتنياهو" شرح خلال لقائه مع "موغريني"، في نهاية الشهر الماضي، أنه من خلال الاتفاق على حدود الكتل الاستيطانية، ستستطيع إسرائيل مواصلة البناء في المواقع الأخرى بالضفة الغربية، مما يؤكد من جديد، أن حكومة إسرائيل، هي حكومة استيطان ومستوطنين، وحكومة يمين متطرف، ترفض وقف الاستيطان، كما ترفض إقامة الدولة الفلسطينية، وأن تصريحات "نتنياهو" بحل الدولتين، هي تصريحات كاذبة، فهو يعتقد من خلال خدعته الجديدة، أنه يستطيع إقناع المجتمع الدولي بأنه يعمل على استئناف المفاوضات، وذلك للخروج من عزلته الدولية، وحسب "هآرتس"، فإن "موغريني" ردت على "نتنياهو"، أنها تثمن اقتراحاته، غير أنها غير كافية، بل أنها معنية بأن ترى خطوات عملية على الأرض، تدعم تصريحاته الالتزام بحل الدولتين لشعبين. إن الكتل الاستيطانية التي يتحدث عنها "نتنياهو" هي: "معاليه ادوميم" شرق القدس، "أرئيل" شمال الضفة الغربية، "غوش عتصيون" في منطقة الخليل، والمستوطنات التي أقيمت في محيط القدس، فخداع "نتنياهو" الجديد له هدفين رئيسيين، الأول: انتزاع اعتراف فلسطين، بشرعية الاستيطان وبخاصة الكتل الاستيطانية الكبيرة، والثاني: دعوته هذه التي جاءت في أعقاب لقائه بممثلة الاتحاد الأوروبي، ليقول للعالم أنه على استعداد لاستئناف المفاوضات، وهو يعلم جيداً، بأن طرحه هذا مرفوض فلسطينياً جملة وتفصيلاً، ليقول للرأي العام الدولي، أنه على استعداد للسلام، لكن التعطيل يأتي من الجانب الفلسطيني، وتحميل الفلسطينيين مسؤولية عدم استئناف المفاوضات، فـ "نتنياهو" يحلم بالحصول على شرعية فلسطينية ودولية للاستيطان، لتغيير صفة اغتصاب واحتلال ارض، لكن ما يجب تحديده هو، حدود دولة فلسطين المعترف بها دولياً، على حدود عام 1967، فالمجتمع الدولي لا يعترف بشرعية الاستيطان. من البديهي أن يواجه طرح "نتنياهو"، رفض قاطع من قبل السلطة الفلسطينية، فخدعته لا تنطلي على أحد، فالموقف الفلسطيني الثابت هو إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، والقدس الشرقية عاصمتها، ووقف البناء الاستيطاني قبل استئناف المفاوضات، مع حل عادل لحق اللاجئين بالعودة، فلا يمكن تجزئة ما يتعلق بالحل النهائي، والعجيب أن مطلب إسرائيل في الماضي، كان حل جميع قضايا الحل النهائي، بحيث لا يبقى مطالب جديدة للفلسطينيين في المستقبل، لكن الأساليب الإسرائيلية متغيرة. إن الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في تصاعد متواصل، سواء كان ذلك من قبل قوات الاحتلال، أو المستوطنين، فسهولة إطلاق النار على الفلسطينيين أصبحت عادية، فنائب الكنيست "محمد بركة"، اتهم –في خطابه بالكنيست- السلطات الإسرائيلية بالتستر على "3838" من أصل "4000" جريمة ارتكبت بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، متهماً السلطات القضائية بأنها لم تفتح سوى "162" ملف تحقيق، فسياسة القتل لا تتعامل معها سلطات الاحتلال بجدية، وفي كل مرة يقولون أن الموضوع رهن التحقيق، الذي لا نهاية له، وإذا قدم القاتل أو المعتدي إلى المحكمة تكون محاكمته صورية، ويأتي الحكم صوري، حيث يحظى القاتل أو المدان بالعفو ويطلق سراحه، فالاعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم ومزارعهم، وتقطيع أشجار زيتونهم، وحرق مزارعهم وحرق المساجد والكنائس، ومحاولات تسميم آبار المياه، وقيام عصابة "دفع الثمن" بحرق سيارات المواطنين وحرق بعض المنازل، كل ذلك وفق مخطط ومنهج يحظى بحماية الحكومة، ناهيك عن عربدة المستوطنين، والدعوة العلنية في مسيراتهم لقتل الفلسطينيين، وطردهم وإغلاق الطرق أمامهم، ومنع الفلسطينيين من زراعة أراضيهم، أو قطف الثمار، وحصد حقول القمح، والدليل على حماية الحكومة لهذه الاعتداءات، رفض "نتنياهو" تشريع قانون باعتبار هذه الأعمال إرهابية خارجة عن القانون، في الوقت الذي طالب حتى بعض نواب كنيست يهود بهذا التشريع، لكن سلطات الاحتلال تتعامل مع هؤلاء المجرمين بقفازات حريرية، ففي تقرير صدر عن منظمة حقوقية إسرائيلية مؤخراً، جاء أن 85% من شكاوى الفلسطينيين ضد المستوطنين، يفلت المعتدون من العقاب، وأن معظم الشكاوى التي يقدمها الفلسطينيون يتم إغلاقها، بذريعة أن لا قدرة للمحققين على اعتقال المتهمين، أو جمع معلومات كافية لتقديم لائحة اتهام ضدهم، وحسب التقرير، فإن 7.4% من الشكاوى فقط، تقدم لوائح اتهام ضد المعتدين، بينما لوائح الاتهام على الغالب لا تؤدي إلى إدانة المتهمين، فقد أصبح عدد المستوطنين في الضفة الغربية، باستثناء القدس، (341) ألف مستوطن، في (135) مستوطنة و(100) بؤرة استيطانية. والسؤال لماذا علينا أن نستغرب سياسة إسرائيل الاستيطانية، وما يقوم به المستوطنون من اعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم، لحمل الفلسطينيين على الرحيل، ففي شهر تموز من عام 1967 أي بعد شهر واحد من الحرب، طرح وزير الخارجية آنذاك "يغئال الون" مشروعه، بأن تتمسك إسرائيل بأن تكون حدودها الشرقية من النهر إلى البحر، وخط يقطع البحر الميت من منتصفه وبكل طوله، وإنشاء نظام دفاعي متين لتحقيق ما أطلق عليه بوحدة البلاد، من الناحية الجغرافية الإستراتيجية كجزء لا يتجزأ من السيادة الإسرائيلية، أما الأطماع الأخرى لإسرائيل في الضفة الغربية حسب مشروع "ألون" فهي كما يأتي: 1. شريط يتراوح عرضه ما بين 10-15 كم على امتداد غور الأردن حتى غور بيسان، وحتى شمالي البحر الميت، على أن يكون في هذه المنطقة حد أدنى من المواطنين العرب. 2. ضم شريط عرضه بضعة كيلومترات، من شمال طريق المواصلات بين القدس والبحر الميت، يتصل مع المنطقة الواقعة شمال طريق عطروت، بما في ذلك منطقة اللطرون. 3. أما بالنسبة لجبل الخليل وصحراء يهودا، يقترح "ألون" ما بين ضم جبل الخليل بسكانه لإسرائيل، وضم صحراء يهودا من مشارف الخليل الشرقية وحتى البحر الميت والنقب. 4. يجب أن تقام في تلك المناطق المذكورة وبأسرع ما يمكن مستوطنات ريفية ومدنية وقواعد عسكرية، وفق متطلبات الأمن. 5. إقامة ضواحٍ وأحياء في شرقي مدينة القدس مأهولة بالسكان اليهود، إضافة إلى تعمير الحي اليهودي، دون أي ذكر لا من قريب أو بعيد لإقامة دولة فلسطينية، بل إقامة روابط من زعماء وشخصيات الضفة الغربية، لتشجيعهم على إقامة حكم ذاتي مرتبط بإسرائيل. إن الجهود العربية العربية، من عقد مؤتمرات واتصالات مع دول العالم من أجل فلسطين، والحروب التي قادتها والتضحيات الجسام التي قدمتها، ومع التقدير لهذه الجهود، إلا أنها ضائعة في ظل الأيديولوجية التي تؤمن بها الحركة الصهيونية، وتعمل على تطبيقها للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، التي بدأتها في منطقة 1948، وتواصلها بضراوة في الضفة الغربية، وعلينا الاعتراف بأن العالم العربي فشل في إدارة الصراع لتحرير فلسطين، كما فشل الفلسطينيون رغم محاولاتهم في المقاومة المشروعة للاحتلال من تحرير أراضيهم، كذلك اللجوء إلى العمل السياسي الدبلوماسي السلمي، ومع أن هناك بعض النجاحات – رغم الأحداث التي يمر بها العالم العربي- فإن اللجوء إلى القنوات الدولية، ومنها محكمة جرائم الحرب كان لابد منها، لكن هذه الإجراءات تأخذ زمناً طويلاً، وحتى إذا حكمت "لاهاي" لصالح الفلسطينيين-فقد سبق أن حكمت لصالح الفلسطينيين في موضوع جدار الفصل العنصري- لكن القرار لم ينفذ لأسباب معروفة، فكيف علينا البناء في تنفيذ قرارات لاحقة من محكمة "لاهاي" ضد إسرائيل، طالما ينتظرها "الفيتو" الأميركي، من هنا المطلوب من الفلسطينيين والعرب، دراسة وسائل وتوجهات جديدة قادرة على حمل إسرائيل للتراجع عن احتلالها حتى ولو أدى الأمر إلى حل السلطة الفلسطينية، وتحميل إسرائيل أعباء احتلالها، وإلا فسيبقى الموضوع الفلسطيني وشعب فلسطين، خاسرين لأعدل قضية لهم في هذا العالم.