اوباما ودخول التاريخ - عمر حلمي الغول
يوم الاثنين الماضي في لقاء مع القناة الاسرائيلية الثانية، برنامج "الحقيقة" اعلن الرئيس باراك اوباما، ان شروط نتنياهو المتعددة، تعقد بلوغ حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وتكرس الموقف، الذي اعلنه رئيس الحكومة الاسرائيلية عشية الانتخابات، الذي أكد فيه، انه لن يسمح باقامة دولة فلسطينية من حيث المبدأ. والمح الرئيس الاميركي، ان ادارته تجد صعوبة في استخدام حق النقض الفيتو في مواجهة اي قرار اوروبي سيطرح على مجلس الامن.
موقف الرئيس اوباما ليس جديدا، لكنه عمق مواقفه، التي اعلنت في السنة الاخيرة من ولايته؛ وكشف بما لا يدع مجال للشك، ان سياسة زعيم الليكود تهدد مصالح إسرائيل ومكانتها الدولية بما في ذلك في اوساط الاميركيين؛ وتحول دون رفع اليد الاميركية في المنابر الدولية وخاصة مجلس الامن لرفع كرت الفيتو امام اي مشروع قرار اوروبي ضد إسرائيل؛ كما يميط اللقاء اللثام أكثر فاكثر عن حجم التباعد بين الرجلين والادارتين الاسرائيلية والاميركية.
سكرتاريا الحكومة الاسرائيلية وزعت تعميما على وزراء الحكومة، تطالبهم بعدم التعقيب والرد على ما ادلى به ساكن البيت الابيض، لقطع الطريق على اية ردود فعل سلبية، تؤجج الخلافات القائمة مع الادارة الاميركية، والسعي لتبريد الاجواء حتى يمضي الوقت المتبقي لاوباما في الرئاسة، وانتهاج سياسة المماطلة والتسويف وكسب الوقت لتحقيق اكثر من هدف، منها: الالتفاف على مواقف الادارة الاميركية عبر الكونغرس، وإستثمار منابر المرشحين للرئاسة في مهاجمة سياسات الادارة الديمقراطية، مواصلة سياسة التهويد والمصادرة للاراضي الفلسطينية، وتكريس سياسة الامر الواقع لقطع الطريق على الدولة الفلسطينية دون الالتفات او التوقف امام سياسة "التحريض" الاوبامية.
مع ان المرء، يدرك معضلة صناعة القرار في الولايات المتحدة، والمعرفة المسبقة بسقف وحدود ما يمكن ان يذهب إليه اي رئيس اميركي. رغم ذلك، فإن الصلاحيات الممنوحة للرئيس الاميركي، اي رئيس بغض النظر عن إسم حزبه، وثقله في المجلسين، تسمح له باتخاذ ما يلزم لايقاف اي سياسة تهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في اي مكان من العالم بما في ذلك داخل إسرائيل. وكون سياسة رئيس الحكومة الاسرائيلية اولا تضرب مصداقية الدور والرعاية الاميركية في عملية السلام؛ ثانيا تهدد المصالح الحيوية الاميركية في المنطقة، وحتى مصالح اسرائيل نفسها؛ ثالثا تضعف هيبة الرئيس اوباما وادارته داخل الولايات المتحدة نفسها، وتكشف عجزه امام الصلف والغطرسة الاسرائيلية. فإن الرئيس اوباما بامكانه اتخاذ ما يلزم من مواقف لالزام حكومة نتنياهو بدفع استحقاقات التسوية السياسية، وإسقاط كل الشروط الاسرائيلية، التي يجترها رئيس وزراء إسرائيل، وفتح الافق لتجسيد حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
لكن ان بقي الرئيس اوباما حاصرا موقفه في إطار تسجيل التحفظات على شروط نتنياهو، وإعلان الاعتراض عليها عبر المنابر الاعلامية دون إحداث الاختراق المطلوب، فكانه يقر بندية نتنياهو له؛ ويسمح للحكومة الاسرائيلية بمواصلة سياساتها المعادية للسلام؛ وان الموقف المعلن، لا يتجاوز حدود ذر الرماد في العيون.
باراك اوباما قادر على دخول التاريخ من اوسع ابوابه إن شاء، والمدخل الاساسي ليس الملف النووي الايراني، ولا تمزيق وحدة الدول والشعوب العربية وبناء الشرق الاوسط الجديد، ولا الحد من الدور الروسي في اوكرانيا، او التضييق على الصين الشعبية في بحر الصين، بل في حل المسألة الفلسطينية، والعمل على بناء صرح الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. فهل يفعلها وينحاز لذاته ومكانته؟