علاقة النكسة بالدولة - عمر حلمي الغول
مضى ثمانية واربعون عاما على نكسة وهزيمة الجيوش العربية الثلاث، المصري والسوري والاردني امام الجيش الاسرائيلي. النكسة، التي كسرت ظهر المد القومي العربي، وعمقت هزيمة مشروع النهضة العربية، وكشفت خواء النظام السياسي العربي الرسمي. لان سقف وحدود الهزيمة تجاوز كثيرا حدود إستكمال إحتلال فلسطين التاريخية وسيناء المصرية والجولان السورية، ليصل الى عمق الوعي بالذات الوطنية والقومية، وليفتح الابواب على مصاريعها امام التشظي، الذي اصاب شعوب ودول الامة العربية خلال العقود الخمسة الماضية.
كادت إنطلاقة شرارة الظاهرة العلنية للثورة الفلسطينية المعاصرة في اعقاب نكسة الرابع من حزيران 1967، والانتصار الفلسطيني الاردني في معركة الكرامة في 21 آذار/ مارس 1968، والانجازات الوطنية، التي حققتها الثورة لاحقا، ان تشكل عامل نهوض، ورافعة للنضال القومي. غير ان القوى المعادية لمشروع تحرير فلسطين والنهضة القومية، تمكنوا عبر وسائل واساليب مختلفة من الالتفاف عليها وبترها.
رغم نجاحات الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل وحلفائها في المنطقة والاقليم بمطاردة وملاحقة المشروع الوطني في الساحات العربية المحيطة في فلسطين، والسعي لوأده وتصفيته، إلآ انها فشلت، وتمكنت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الافلات من عمليات الخنق والاعدام العديدة. واستطاعت فرض نفسها على القاصي والداني، رغم كل عمليات التقليم لاظافرها.
العلاقة الجدلية بين النكسة ومشروع الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، علاقة عميقة فرضتها التطورات السياسية الفلسطينية والعربية والدولية. ونتاج القراءة الواعية للقيادة لتعقيدات القضية الفلسطينية، وطبيعة الصراع العربي الاسرائيلي، وتداخله مع قوى رأس المال العالمي، الداعم بشكل مطلق للمشروع الصهيوني، مما حدا بقيادة منظمة التحرير بتطوير الفكر السياسي الفلسطيني.
بات مشروع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، الرد الطبيعي على نكسة وهزيمة العرب، وحماية للحقوق السياسية والمصالح الوطنية العليا، لاسيما وان حل المسألة الفلسطينية، بات يقوم على ركائز اربعة: الاولى الانسحاب الاسرائيليمن الاراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشرقية، وضمان إقامة الدولة الفلسطينية عليها؛ الثانية حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني، ومنحه حريته واستقلاله وتطوره الديمقراطي؛ الثالثة تأمين حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194؛ الرابعة الاعتراف والتعايش مع الدولة الاسرائيلية. والنقاط الاربعة كرستها مبادرة السلام العربية عام 2002 ومبدئيا مرجعيات التسوية السياسية وقرارات الشرعية الدولية.
ارتباطا بما تقدم، وإدراكا من قبل الاقطاب الدولية عموما وخاصة اللجنة الرباعية لاهمية وضرورة حل المسألة الفلسطينية، ووضع حد لسياسة التغول الاستعمارية الاسرائيلية المعادية للسلام، ولحماية المصالح الحيوية الاميركية والاوروبية الغربية، فإن المسؤولية السياسية والاخلاقية الملقاة على عاتق العالم واقطابه المقررة في صرح السياسة الدولية، تملي على الجميع التدخل المباشر والحاسم لفرض خيار السلام، ودفع حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 للامام دون تراخي او تلكؤ، لان الشعب العربي الفلسطيني، الذي قدم كل التنازلات السياسية المطلوبة منه، آن له ان يعيش بسلام على ارض دولته المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وازالة الاحتلال الاسرائيلي كليا عن كاهله، لينعم بالحرية والتطور الطبيعي لهويته وشخصيته الوطنية.