كفر قدوم.. تأريخ جديد للحقيقة - موفق مطر
كادت قنابل غاز جنود الاحتلال الاسرائيلي الخانقة في كفر قدوم ان تحرم المواطن داوود اشتيوي من احتضان اطفاله الستة الى الأبد لولا رحمة الله ولولا عناية ابطال المقاومة الشعبية في البلدة واحتياطاتهم، وقدراتهم الذاتية، وانقاذ افراد العائلة في اللحظات الأخيرة، رغم مخاطر اطلاق الرصاص الحي، والمعدني، والمياه العادمة على المواطنين الذين هرعوا لانقاذ الأطفال، فالرضيع ذو الثمانية اشهر، وحتى الطفل ذو السنوات الخمس لا يمكنه الصمود، امام اعصار قنابل الغاز الخانقة الحارقة، التي يطلقها جنود الاحتلال، عندما يجن جنونهم، وهم يحاولون تفريق مسيرة هذه البلدة الصامدة الصابرة، المستمرة بمقاومتها للاحتلال والاستيطان منذ 13 عاما، ولولا أمر الله باللطف رحمة بأطفال المواطن اشتيوي لحدثت مجزرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
في 24 آذار من العام 2012 جرب سفراء دول صديقة معنى تطويق المواطنين الفلسطينيين في كفر قدوم بسحب الغاز الخانق الحارق، الذي آخر ما يمكن وصفه به انه مسيل للدموع، جربوه يوم ارادوا الاطلاع عن كثب على حقيقة ما يجري في كفر قدوم، فقد فاجأتهم قنابل الغاز وحولت كثيرا منهم بحالة صعبة الى سيارات الاسعاف، منهم سفيرا دولة جنوب افريقيا والبرتغال، حيث انهالت عليها قبل وصولها الى المنطقة المشرفة على مستوطنة (كدوميم) اليهودية التي انشئت على أراضي البلدة، رغم أن اتجاه الهواء كان نحو المستوطنة، حيث يستغل الشباب الاشاوس الفرصة للاشتباك مع جنود الاحتلال بالحجارة، يهتفون لفلسطين الحرة المستقلة، ويلوحون بعلمها الرباعي الألوان، ويدحرجون عجلات (الكاوتشوك) المشتعلة باتجاه المدججين بالسلاح وآلياتهم الثقيلة، يعمدون لايصال (سخام) الاطارات المشتعلة الى بيوت المستوطنين، ولو بنسبة ضئيلة مقابل الكم الهائل من الغاز الخانق الذي يطلقه جنود جيشهم على المواطنين الفلسطينيين اهل الأرض الأصليين، فالمحتلون يستهدفون الجميع بالرصاص الحي والمعدني، والغازات، والمياه العادمة، دون استثناء، فهدف الاحتلال ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة وكأنه لا يدرك أن سكان القرية الـ ( 4000) كلهم يقاومون، كل في مجاله، هذا ما أكده لنا نشطاء المقاومة الشعبية في القرية.. واشهد أني قبل اسبوعين من المسيرة التي اصيب فيها السفراء، بفظاعة هذا السلاح المستخدم، اختنقت، واحسست بخروج روحي من جسدي ورجوعها لحظة وقوعي بين اربعة قنابل غاز طوقتني من كل اتجاه، ضمن عشرات القنابل اطلقها جنود الاحتلال رشا من قاذف مطورعلى الشبان والصحفيين وكل من تواجد في ميدان المسيرة. فكيف اذا تعلق الأمر بأطفال اعوادهم غضة كزهور الربيع ؟!
تحتاج كفر قدوم الى خطة صمود خاصة ومميزة، من الحكومة، وقيادات العمل الوطني والمقاومة الشعبية، ونظرة خاصة من كل من يتبنى المقاومة الشعبية السلمية سبيلا للنضال في هذه المرحلة، فهنا في كفر قدوم يجب تعزيز أسباب الصمود، للارتقاء بنموذج العمل الوطني المقاوم الشعبي القائم اصلا بمبادرة من مناضلي حركة فتح ومعهم شباب ورجال ونساء البلد منذ سنوات، فهنا تتجسد مبادئ التكافل والتضامن، والتعاون والتآخي، والعقلانية، والحوار والنقاش واستخلاص العبر، وسيرة الاعتماد على الذات، التي تميز نضال اهل هذه القرية، الذي بدأوا بمسيرات اسبوعية، يطالبون بفتح طريق تصل قريتهم مع الأراضي التي استولت عليها سلطات الاحتلال، ومنعت المواطنين من المرور عليها، ما ضاعف مشقة المواطنين وعناءهم، وطول الطرقات الذي اضطروا لسلوكها كبديل عن المغلق للوصول الى الطريق الرئيس نحو شمال الضفة وجنوبها...ففي كفر قدوم يكتب المواطنون فصلا من رواية الحرية والاستقلال، وهذا يتطلب تسليط الأضواء عليها، وتأمين ما يلزم لحماية واسعاف المواطنين، حتى لا نفاجأ يوما بمجزرة ضحاياها اطفال القرية.
يؤكد قادة المقاومة الشعبية السلمية في كفر قدوم ان نضالهم سيستمر ما دام الاحتلال والاستيطان قائما، وانهم يسترشدون بتوجيهات الرئيس ابو مازن رئيس الشعب الفلسطيني، وقائد حركة تحرره الوطنية، وبطل معركة فلسطين في ميدان القانون الدولي، فشباب كفر قدوم نموذج للالتزام والانتماء، وقدوة لمن اراد سلوك دروب الحرية، فعلى ارض كفر قدوم يثبت رجالها ونساؤها وشبابها من الجنسين، انهم هم الحقيقة الخالدة على ارضهم، وأن الغزاة المحتلين والمستوطنين حدث طارئ سينتهي ولو بعد حين.