أوهام نتنياهو بين الحقيقة والواقع (1)
عديدون في اسرائيل قبل غيرها، وزراء وسياسيون واقتصاديون، وكتاب صحفيون يكتبون ويقولون: ان تواصل الاستيطان على الارض الفلسطينية، سينهي حل الدولتين، والى الابد حسب تعبير جاء في تقرير لجدعون ليفي واليكس ليباك عن مستوطنة "ليشم" التي تواصل اسرائيل توسيعها في قلب الضفة الغربية، نشرته صحيفة " هآرتس " الاسرائيلية الاسبوع الماضي.
خارج اسرائيل، المجتمع الدولي بأسره تقريبا، يقول ذلك ايضا، لا بل ان الرئيس الاميركي باراك اوباما يرى ان اسرائيل بمواصلة الاستيطان انما تواصل العمل ضد مصالحها على المدى البعيد، وكانت الادارة الاميركية اعلنت غير مرة ان الاستيطان يقوض حل الدولتين.
وحدهم اقطاب اليمين الاسرائيلي المتطرف من يعارض كل ذلك، ويواصلون تصعيد سياسة الاستيطان في اراضي دولة فلسطين المقترحة في اطار حل الدولتين، يتقدمهم رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي اعلن في حملته الانتخابية الاخيرة انه لن يسمح باقامة دولة فلسطينية اذا ما اعيد انتخابه، غير انه لم يجد حرجا بعد انتخابه في ان يناقض نفسه، ويعلن انه على استعداد للتفاوض في اطار حل الدولتين، لكنه اضاف الاستيطان ضمنا كواقع لن يتراجع عن " تطويره " وفق ما كان قد اسماه سابقا بالنمو الطبيعي ...!!
نعرف ان فكرة حل الدولتين قائمة على اساس تحديد اراضي كل دولة بشكل واضح، وبترسيم حدود وفق الشرعية الدولية وقراراتها، خاصة الصادرة اثر حرب حزيران عام سبعة وستين من القرن الماضي، التي اقرت حقيقة الاحتلال الاسرائيلي لاراضي الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وطالبت اسرائيل بالانسحاب منها، وهذه هي الاراضي التي ينبغي ان تقوم عليها دولة فلسطين، فاذا تواصل الاستيطان فيها على اي نحو كان، انتهى حل الدولتين، الذي فكرته الاساسية بالمناسبة هي فكرة فلسطينية تماما، ولدت مع اعلان الاستقلال في المجلس الوطني الفلسطيني، الذي عقد في الجزائر عام الف وتسعمائة وثمانية وثمانين، من حيث انه استند الى قرارات الشرعية الدولية الصادرة بشأن القضية الفلسطينية منذ عام سبعة واربعين.
سنبقى عند هذا الحل، لا لأنه قد بات مشروعا اميركيا للتسوية السياسية، ولا لأنه فكرتنا في الاساس، بل لأن الواقع الدولي بخطابه السياسي الذي يرى الاستيطان مدمرا لعملية السلام، لم يعد قابلا لتحمل المزيد من سياسات اسرائيل التوسعية في هذا الاطار، وقبل ذلك الاكثر اهمية ان الارادة الفلسطينية الحرة لم تكن ولن تكون ابدا في وارد التراجع او المساومة على حدود دولة فلسطين وطبيعتها الجغرافية والسياسية.
وبفضل السياسة الواقعية والموضوعية والاعصاب الهادئة للقيادة الفلسطينية وللرئيس ابو مازن بصفة خاصة، والذي يؤكد باستمرار: اذا كان هذا هو نهج الحكومة الاسرائيلية وهذه هي سياستها، (نهج الاستيطان وسياسته) فأننا ثابتون على موقفنا، والعالم كله يؤيدنا في حل الدولتين ضمن حدود العام سبعة وستين، ونقول بفضل الاعصاب الهادئة للرئيس ابو مازن ونشدد على هذه الجملة، لأنه قد لا يكون بمقدور احد ان يتصور على نحو تفصيلي مستوى وطبيعة الضغوط والتهديدات التي يتعرض لها الرئيس ابو مازن، لكي يتراجع ولو خطوة واحدة عن مسار التسوية السياسية الممكنة، وان يتراجع تاليا عن الثوابت المبدئية التي اقرتها الشرعية الفلسطينية.
لسنا في وارد التراجع، ماضون في هذا المسار، غير اننا ندرك طبيعة الوضع الراهن بتناقضاته الحادة، وندرك الاهم ان استيطان نتنياهو واقطاب يمينه المتطرف، وإن كان اسمنتيا وقلاعيا ان صح التعبير والتقدير، فانه لن يكون بوسعه ان يشكل تضاريس طبيعية تلغي فلسطين من الجغرافيا والتاريخ والاهم انه لن يكون بمقدوره ان يلغيها من المستقبل، وهذا الاستيطان ليس إلا وهما من اوهام القوة والغطرسة، أو في احسن احواله ليس الا بنية لوجستية لسياسات الفكرة العنصرية وشهواتها الاستحواذية التي لا شرعية لها ولا سمعة طيبة ولا مستقبل.
وبهذا المعنى، ولأن هذه هي هوية الاستيطان ووظيفته، فإنه سينهي مشروع حل الدولتين، لا فكرة الحل بحد ذاتها، ولا الدولتين بحد ذاتهما .
لكن يبقى السؤال المطروح امام هذا الوضع الذي يناقض نفسه: الى اين سنمضي مع هذا الوضع، وكيف يمكن معالجته، وماهي بدائل حل الدولتين ان كانت هناك بدائل.. ؟؟ لنا في الغد متابعة والجواب مرهون دائما بالارادة الفلسطينية الحرة.
كلمة الحياة الجديدة - رئيس التحرير