أوهام نتنياهو بين الحقيقة والواقع (2)
سيظل الاستيطان الاسرائيلي هو المعضلة الكبرى، اذ يحاول تغيير الواقع على نحو قسري، ولن يكون بمقدور الخطاب السياسي الاسرائيلي، ان يقنع احدا بغير ذلك، خاصة على الصعيد الدولي، وهو يتناقض مع ادعاءاته ومع الواقع وحقائقه، لكن لهذا الاستيطان ولغاياته الاستحواذية في الاساس معضلة حقيقية برغم كل تجسيداته الاسمنتية، أنه جرثومة في جسد شديد العافية بمناعته الطبيعية، ونعني هنا بوضوح بليغ ان شعبنا الفلسطيني بارادته الحرة، ومشروعه الوطني، وثباته فوق ارض بلاده، هو المناعة المتعافية دوما التي ستلفظ في النهاية تلك الجرثومة وهذا ليس كلاما في فضاء البلاغة بقدر ما هو تعبير عن واقع وحقيقة، فشعبنا يعرف جيدا ويدرك تماما، بعد نكبة ونكسة، ان سر قوته وصلابة ارادته، يكمن في ثباته على ارضه، وان هذا الثبات بحد ذاته مقاومة، وانه اكثر من ذلك، فهو طريقه لانتزاع حريته واستقلاله وتحقيق تطلعاته المشروعة، ولهذا كلما يردد الرئيس ابو مازن اننا ثابتون على ارضنا، فانه انما يؤكد على هذه الحقيقة ويشدد عليها ويعمل على تجسيدها كبرنامج مقاومة من طراز انساني فريد من نوعه، وقد قال شاعرنا الكبير الراحل محمود درويش قبل هذا اليوم " ايها المارون بين الكلمات العابرة آن أن تنصرفوا / فلنا في ارضنا ما نعمل / لنا قمح نربيه ونسقيه ندى اجسادنا / لنا الماضي هنا ولنا صوت الحياة الاول / ولنا الحاضر والحاضر والمستقبل "، نعم لنا في ارضنا ما نعمل هذا ما قاله شاعرنا نقلا عن ثبات شعبنا فوق ارضه وهذا ما يذهب الرئيس ابو مازن لتجسيده دوما، وباختصار شديد هذه هي معضلة الاستيطان الاسرائيلي، وهذه هي حقيقة اوهامه التي تصور له ان شهواته الاستحواذية يمكن ان تصبح من حقائق الجغرافيا والتاريخ هنا ..!!
وبكلمات اخرى، نحن العارفون جيدا وعميقا: انه لكي تغير البلاد عليك ان تغير السكان، فمن اين للاستيطان مهما توحش وتوسع، مع ثباتنا على ارضنا، ان يجعل ذلك ممكنا ..!!
لكننا ايضا لسنا من اصحاب الوهم، لكي لا نرى في الاستيطان عقبة كأداء في دروب حريتنا، ومعضلة كبرى في طريق الحل، حل الدولتين تحديدا، بل ان تواصله سينهي مشروع هذا الحل، ولن ينهي بالطبع المشكلة وسيديم الصراع بمزيد من الدمار والضحايا، غير انه في المحصلة لا بد من دولتين تعيشان الى جانب بعضهما البعض، وما يقال عن حلول اخرى تظل غير ممكنة في المدى المنظور سواء الدولة ثنائية القومية او التهجير القسري كما يردد غلاة اليمين الاسرائيلي المتطرف الذين يمارسون كل اشكال الصلف والاجرام بحماية وتغطية من الحكومة الاسرائيلية واجهزة امنها ..!! وثمة اطروحات اخرى قائمة على الوهم ايضا، ودائما هو وهم الاستيطان والمستوطنين، ومن ذلك دولة على غرار جنوب افريقيا ايام الفصل العنصري، وقد تجاوز التاريخ هذا الامر تماما، ولم يعد ممكنا ولا بأي حال من الاحوال، وبعض ممارساته الآن من قبل الحكومة الاسرائيلية ضد شعبنا الفلسطيني سبب من اسباب عزلة اسرائيل وادانتها، ومن اوهام غلاة اليمين الاسرائيلي المتطرف ايضا، دويلة في غزة تحت اي مسمى كان، وتقاسم وظيفي أو نظام بقانونين في الضفة الغربية، واحد للمستوطنين وآخر للفلسطينيين، ليحدث الاشتباك بعيدا عن السياسة، وبعيدا عن الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا، وانما ليكون متعلقا بأمور البلديات وقوائم الكهرباء والماء اين تدفع ولمن تدفع ووفق اي سلطة وأي قانون ...!! وكل ذلك محض تخريفات اوهام اسرائيل الاستيطانية وسيثبت الواقع والتاريخ ذلك إن عاجلا او آجلا.
لا وطن للشعب الفلسطيني غير فلسطين، ولا حل ممكنا دون حل دولة فلسطين الحرة المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، والذي هو بعد كل قول حل الدولتين، والعالم بأسره تقريبا لا يرى غير ذلك، وهو ماض على هذا النحو او ذاك لتدويل الحل، ومن هذا التدويل اليوم اعترافات العالم بدولة فلسطين بهذا المستوى او ذاك، ومنه ايضا هذه المقاطعة لاسرائيل الاستيطانية التي تتسع تباعا، وعلى نتنياهو ان يصحو من اوهامه قبل فوات الاوان، فاسرائيل اليمين المتطرف بعد قليل هي منبوذة العالم بكل ما في هذه الكلمة من معنى.
نحن الاقرب الى العالم الآن واسرائيل هي الابعد، هذا هو الواقع وهذه هي الحقيقة وفلسطين اليوم في قمة الاتحاد الافريقي لتكرس هذا الواقع وتؤكد على هذه الحقيقة.
كلمة الحياة الجديدة - رئيس التحرير