قرع مبكر على طبلة مسحر رمضان - موفق مطر
قبل يومين من حلول شهر الصيام، بدأت ذاكرتي باستعراض صور جميلة لاستقبال شهر رمضان في مجتمعات عشنا بها في اقطار عربية، حيث يتهيأ المؤمنون لاستقباله، وكأنهم في فرح عظيم طهارة، نظافة اهتمام ببيوت العبادة، بالأسواق، بالشوارع العامة، بالأحياء، حيث تعلو الإضاءة مآذن المساجد، فتشعر بسحر الساعة وجمالها، فيرقى المؤمنون إلى ذروة الإحساس بالطمأنينة في المساجد العامرة بإيمانهم وإخلاصهم في عباداتهم لرب العالمين, لا يضاهي أماكنهم مكان بالطهارة والنظافة، بدءا من أحجار بلاطها وجدرانها التاريخية وسجادها القيرواني، والثريات التي تزيد نور المؤمنين الصائمين نورا, فيشعر المرء وكأنه برعاية ملائكة الجامع عند أداء الفريضة الخالصة لله تعالى, أما الروائح الطيبة المنبعثة في جنباته, والواصلة من محلات السوق الشعبي في الجوار، فإنها تروح عن المؤمن نفسه، فيما هو يؤدي صلاته منفردا او جماعة, أو يتربع للاستماع الى حلقة درس ديني من شيخ متنور، لا متهور، فتنعم نفسه بالطمأنينة والسلام.
ينظف المؤمنون بيوتهم ومحيطها, ويبخرونها بأنواع من الروائح الطيبة، تمهيدا للتغير الذي سيطرأ على حيواتهم وسلوكياتهم، ونمط معاشهم اليومي, خلال ثلاثين يوما قادمة، فالعادات في شهر رمضان انعكاس لحقيقة إيماننا, وما نظافة المكان الا علامة مميزة للإنسان المؤمن إما أن يكون حضاريا أو لا يكون!!
ليس ضرب النظام بعرض الحائط من سمات ومقومات شخصية المواطن المؤمن الصائم, ولا تعطيل حركة الناس في الأسواق بالبسطات العشوائية, أو المنافسة في صنع الازدحام، وعرقلة حركة المتسوقين.
حتى لا تصبح الفوضى والعشوائية سمة الأسواق التجارية في شهر رمضان, نقرع طبلة السحور قبل يومين في آذان المسؤولين عن فرض النظام في الأيام التي يكثر فيها رواد الأسواق ؟!!.
نعلم تعاظم واجب الأطقم الصحية والبلدية والشرطية ودورها المميز في هذا الشهر، لكننا نود رؤيته ملموسا، وان كنا على يقين ان التجار والبائعين مسؤولون ايضا عن إخراج مشهد يليق بشهر رمضان!!.
تذكرت حادثة قبل حوالي أربعين عاما, يوم منعني بأدب خادم في المسجد الأموي الكبير بدمشق لمجرد أنني استلقيت متمددا, لحظة شدني شعوري بالأمان والسلام بذلك المكان العظيم لأنشد راحة بدنية للحظات بعد يوم دراسة وعمل شاق في الجامعة, لحظتها انحنى علي خادم المسجد قائلا: يا بني المسجد للتعبد والصلاة والعلم وليس للاستلقاء والنوم, وسألني: إذا غفوت فهل تعلم ما يحصل معك وما يخرج منك, لا أظنك ترضى أن يأتي منك هذا وأنت في المصلى أو بجوار المنبر فقلت: أستغفر الله.
تنتشر ظاهرة نوم المصلين في المساجد، بالقرب من المنابر وحلقات الدروس الدينية, فليس معقولا أن نرى نائما غافلا أو مرهقا من الصوم غافيا يشخر بجانب قارئ قرآن, او حتى لتحسب نفسك في احد شوارع احدى المدن الأفريقية حيث اسرة فنادقها الرخيصة جدا جدا على الرصيف !.
نستطيع ايفاء المساجد، والمدينة وأسواقها وشوارعنا وبيوتنا حقها، لتنسجم مع ما نعتقده ونؤمن به، وللوصول إلى شعور خاص بأن شهرا متميزا قد دخل زماننا.. فان لم يسمُ شهر الصيام وما يعنيه بوعينا وثقافتنا وسلوكياتنا, وان لم ندخل عليه بأطهر وأنظف وأحسن ما عندنا من نعمة العقل والتراحم والتعاضد وحب الخير وزينة المكان بجمال الروح والمكان, فلن ينفعنا صومنا الذي لم يبدأ بعد.. فالصيام مقاومة سلمية أيضا!!