من حصان المقاومة والمعاناة إلى السقوط في الهاوية ...!! د. عبد الرحيم جاموس
تتجلى تراجيديا المشهد السياسي الفلسطيني هذه الأيام بوضوح، للقاصي والداني، بعد أن تم كشف المستور، في خبث سياسة الكيان الصهيوني، وقدرته على ممارسة الخداع البصري والنفاق السياسي على مستوى سياساته الخارجية والداخلية فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، والتي لم يتوان الشعب الفلسطيني يوما في الدفاع عنها والنضال من أجلها، وما تم الكشف عنه من مشاريع مشبوهة يجري الإعداد لها من وراء الشعب الفلسطيني، وممثله الشرعي والوحيد م.ت.ف، يزداد المشهد حزناً وألماً، أمام هذه السياسات الفجة والرعناء والمشبوهة، التي تمارسها حركة حماس منذ ظهورها في المشهد السياسي الفلسطيني، وتتفاقم اليوم مهددة وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة قضيته وأهدافه الوطنية، فمن ركوبها حصان المقاومة ضد العدو، إلى ركوبها حصان المعاناة التي أحدثتها للأهل في قطاع غزة بالإشتراك مع الكيان الصهيوني، والتنسيق مع قوى إقليمية قد وجدت مجالا للإستثمار في معاناة الفلسطينيين، وتجسيداً لشهوتها في السلطة، وشبقها بالتمسك بها، تحت أي ثمن وأي اعتبار، يجري اليوم بوضوح السقوط في الهاوية، التي أعد لها وحفرها الاحتلال والكيان الصهيوني للشعب الفلسطيني، على مدى سنوات عمر القضية المزمنة، بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والجهوية...!! فمن تحريم المفاوضات، من قبل حماس مع العدو، إلى شرعية المفاوضات، ومن المقاومة سبيلاً وحيداً، إلى التسليم بكامل شروط العدو وإملاءاته، تواصل حركة حماس تعبيد الطريق السياسي أمام الكيان الصهيوني، للإفلات من الحصار الدولي، والضغط المعنوي الذي بات يطبق عليه، والذي أحدثته اعترافات الدول بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود الرابع من حزيران والقدس عاصمة، إلى تقزيم هذا الهدف، إلى تفاهمات تؤدي إلى هدنة طويلة، بين حركة حماس والكيان الصهيوني على مستوى قطاع غزة فقط، مقابل إقامة ميناء عائم، يوصل بين غزة والشق التركي من جزيرة قبرص ..، لضمان استمرار حكم وتسلط حركة حماس الإخوانية على قطاع غزة بالحديد والنار، متعهدة بممارسة أشد العقوبات، في حق من يحاول أن يخرج على تلك التفاهمات، لأنها تفاهمات باتت ((وطنية وإسلامية)) بإمتياز، إنها لن تتورع عن قتل وتدمير وتكفير وتخوين من يحاول الخروج عليها، قد يظن البعض أن حركة حماس قد نحت بذلك نحو سياسة براغماتية، أملتها عليها الظروف الخاصة والإقليمية والدولية، التي ترزح تحت وطأتها المنطقة برمتها ...!! لكن الحقيقة غير هذا على الإطلاق، إنها المصلحة الحزبية الإخوانية وتحالفاتها الإقليمية والدولية، التي حكمت جميع سياسات حركة حماس منذ نشأتها وتأسيسها إلى هذه اللحظات التي تتكشف فيها نواياها البعيدة كل البعد عن الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني، التي ناضل من أجلها على مدى أزيد من قرن كامل. إن ما يجري الإعداد له سراً وعلناً، بين الكيان الصهيوني وحركة حماس، وبرعاية بعض الدول العربية والإسلامية وأخرى إقليمية ودولية، يمثل طعنة نجلاء للشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية، وسوف يؤدي إلى تقزيم هذه الحقوق، وإتاحة الفرصة أمام الكيان الصهيوني للإفلات من الإستحقاقات المتوجبة عليه بموجب الشرعية الدولية، وتتلحف حركة حماس ((بالمعاناة)) التي أحدثتها هي والكيان الصهيوني معاً لأهلنا في قطاع غزة، لتبرير ما ستقدم عليه، حيث جعلت من أهلنا في قطاع غزة بمعاناتها الخاصة ضحية مميزة عن بقية الشعب الفلسطيني، استوجبت هذا السقوط في الهاوية، وكأن بقية الشعب الفلسطيني، سواء في الضفة أو القدس أو في مخيمات الشتات، لا يواجه مثل هذه المعاناة التي يعاني منها أهلنا في القطاع الحبيب، إن لم يكن أكثر معاناة، فالجدار والإستيطان اللذان يخنقان أهلنا في الضفة والقدس، والظروف الصعبة التي يواجهها اللاجئين في مخيمات الشتات في العراق وسوريا ولبنان، قد تزيد عن المعاناة التي حلت بأهلنا في قطاع غزة في ظل إنفراد حكم حماس، فلا يوجد ضحية مميزة أو متميزة بين الفلسطينيين، سواء في الداخل أو في الخارج، فجميع الشعب الفلسطيني، على إختلاف أماكن تواجده، وعلى إختلاف طبقاته توحده قضيته الوطنية، هو ضحية متميزة، بسبب الاحتلال، وهدره الحقوق الوطنية، ويحتاج لكامل الدعم والمساندة والتعاطف لإنهاء معاناته، من خلال تمكينه من حق العودة وتقرير المصير وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، لا من خلال صفقات مشبوهة، كما يجري الإعداد له، هذا ما يتوجب على حركة حماس وكامل فصائل العمل الوطني وغير الوطني، أن تتحد حوله وأن تنهي المواقف والسياسات الإنفرادية والمشبوهة، التي لن تقود إلا إلى تحقيق أهداف الكيان الصهيوني في تدمير هذه الحقوق، والإفلات من إستحقاقاتها، وجعل حلم الشعب الفلسطيني بعيد المنال.