عباس يغتال ؟! حميد قرمان
من الواضح للجميع من يتفق مع عباس او يختلف معه فكريا ، ان مشروع اغتياله السياسي وربما الجسدي قد بدء ، فمنذ ان اعلن عباس نيته التوجه الى الأمم المتحدة لتقديم طلب العضوية وما رافقها من تهديدات و ضغوط هائلة من قبل بعض الاطراف الدولية لثتي الفلسطينيين عن مشروعهم السياسي بتحقيق الاعتراف الاممي بهم وبدولتهم على حدود الرابع من حزيران عام 67 . مشروع اغتيال عباس سياسيا بدء بضرب أعوانه ومستشاريه من قبل قناة فضائية وتركيزها على المناقشات التفاوضية و ما تمخض منها من تقديم كل جانب لرؤيته للحل ، على انه الاتفاق النهائي بين الجانبين ، ومن ثم محاولة فرض مشروع تفاوضي على الفلسطينيين اقل من طموحاتهم السياسية بإقامة دولتهم المستقلة ، والتدخل بالشؤون الداخلية الفلسطينية بتخيير عباس بين اسرائيل وحماس ، ومحاربة السلطة اقتصاديا بتجميد العوائد الضريبية الخاصة بها ، ومحاولة خلق ضغط شعبي من ذلك ضد السلطة ، ليأتي من بعده خطاب نتنياهو امام الكونغرس في ايار الماضي وتحميل كامل مسؤولية تعثر المفاوضات على السلطة ورئيسها ، ويأتي دور الضغط الامريكي اما لتقريب وجهات النظر وايجاد الحلول المنقوصة او التهديد بوقف الدعم المالي للفلسطينيين مقابل زيادة الدعم للإسرائيليين ، واستمر الاستيطان واستمرت محاولة ايجاد صيغ تفاوضية توافقية بين طرفي الصراع قوبلت جميعها بتعنت اسرائيلي ادى الى احراج الراعي الحصري للعملية التفاوضية امام العالم ، بل وتسخير آلة الدعاية الامريكية له لخدمة صورته الراغبة بسلام مقابل الشرط الفلسطيني المسبق بوقف الاستيطان والمحبذ للعنف ، ليأتي بعدها خطاب رئيس الوزراء نتنياهو امام الأمم والمتحدة واستعداده لاجتماع مع عباس في اي مكان من اجل البدء بالمفاوضات دون شروط مسبقة اي تفاوض دون وقف الاستيطان في محاولة من نتنياهو ضرب الجهود الدبلوماسية الفلسطينية الرامية لاستحقاق أيلول وإفراغه من مضمونه ، ليحقق عباس بعدها مكسب مهم وخطير لصالح القضية الفلسطينية بتقديم طلب العضوية " دولة فلسطين" في الامم المتحدة ، ومحاولته جعل القضية تحت الراعية الدولية لا الأمريكية الحصرية و تثبيت حدود الدولة الفلسطينية على الرابع من حزبران عام 67 ، وهو ما قلب الطاولة وبعثر اوراق الجميع . ان هذه الخطوة من جانب الفلسطينيين ، جعلت الإسرائيليين ينفذون المرحلة الثانية لمخطط الاغتيال السياسي لعباس ، مما جعلت الفلسطينيين انفسهم يفكرون الى اين نحن ذاهبون بعد تقديم العضوية ؟ وأين مكانة السلطة الوطنية الفلسطينية على الارض وهي فارغ من مضمونها السياسي والاقتصادي وحتى الأمني ؟ اليمين الاسرائيلي بدء العمل من خلال النغمة المعتادة بعدم وجود شريك فلسطيني ، وصفقة شاليط لتقوية حماس من خلالها سياسيا وشعبيا لاضعاف عباس و فريقه ، وحملات التحريض من الحديث عن عقبات بوجه السلام تتمثل بوجود عباس في الحكم ، و اطلاق بعض الأبواق الإسرائيلية لنيل من مسيرة عباس النضالية كاصدار الكتاب الذي يتهم عباس بتخطيط لاغتيال عرفات وطبعا اقصد هنا كتاب جلعاد شارون ، والتقارير الصادرة عن المؤسسات الأمنية الإسرائيلية عن عباس ومشروعه الخاص بتثبيت اسمه على صفحات التاريخ كقائد وطني قال لا امام الضغوط الهائلة من قبل العالم ، اي محاولاته بان يكون عرفات الثاني الذي لم يتنازل عن ثوابت شعبه . إسرائيل تُغرق نفسها اكثر في المأزق ، من خلال اصرارها على فرض واقعها السياسية على الفلسطينيين الذين ما زالوا هم الحلقة الأضعف دوليا ، عباس بحاجة للبناء على مكاسب السياسية التي حققها من خلال إعادة ترتيب اوراقه وبيته الداخلي اولا ، وثانيا استحضار فكر سياسي جديد يحتفظ به بالواقعية او المنطقية السياسية التي يمتاز بها ، لا بلونات اختبار يفرقعها هو ومعاونيه هنا وهناك .، هذا الفكر يكون قادر على انتشال الواقع الفلسطيني من مستنقعات الوحل السياسي الإسرائيلي ، والتخبط اليميني المتطرف ، فكر سياسي مقبول شعبيا واقليميا ودوليا ، فسياسة لا تلتقي مع العنف ، فسياسة نتاج فكر لا قوة ، وكون عباس سياسي بشهادة مجلة 'فورين بوليسي' وعلى راس القيادة الفلسطينية ، فهو الأجدر على استحضار هذا الفكر . عباس اجبر اسرائيل على البقاء في الدائرة السياسية التي رسمها هو من خلال تحركاته الدبلوماسية ، وفكره القائم على التفاوض كخيار استراتيجي لحل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، وإدانته للعنف او الانتفاضة المسلحة ، فسواء اتفقنا او اختلفنا مع عباس ، فهو سياسي بامتياز وبشهادة خصومه يعتمد على الصراحة والوضوح والمنطقية السياسية في طرحه ، حيث اننا لا نجدها كثير عند غيره من الذين يعتمدون على التناقضات السياسية في طرحهم وهو طرح لا يوصل الى الاهداف او النتائج التي يسعى اليها ، فالمرحلة الحالية وربما المرحلة القادمة بحاجة الى المنطقية السياسة و الحلول الواقعية من قبل الفلسطينيين ورئيسهم ، وهذا ما يقلق اسرائيل التي تعمل دائما على فرض واقعها وحلها بالقوة العسكرية والخطوات الأحادية ، وهذا ما يجعلها لا تتقبل واقع عباس وبراغماتيته ، فتلجأ الى اغتياله سياسيا و ربما جسديا ، فقد فعلتها مع عرفات الأول .. فماذا عن عرفات الثاني ؟ .
حميد قرمان h.qaraman@yahoo.com