بلا رتوش
بقدر ما عملت حركة حماس على عرقلة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، بل وافشال هذا المسعى الوطني المخلص، بقدر ما تصر القيادة الفلسطينية في اطارها الشرعي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، على مواصلة هذا المسعى لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لمجابهة أجدى لتحديات المرحلة الراهنة، والتصدي لمخاطرها التي تهدد المشروع الوطني بالتدمير.
لم تكن شروط حركة حماس للمشاركة في حكومة وحدة وطنية، شروطا منطقية ولا واقعية تماما في محتواها الاجرائي، ومن حيث انها استندت لإطار لا وجود له ولا صلاحيات، لبحث واقرار تشكيل حكومة الوحدة، ونعني هنا ما يسمى "بالاطار القيادي المؤقت" والذي هو ليس اكثر من لجنة تفعيل المنظمة المقرة منذ عام 2005، وعلى اعتبار ان اللجنة التنفيذية كما تريد "حماس" وترغب، لا علاقة لها بهذا البحث واقرار التشكيل الجديد، وهي الاطار الشرعي للقيادة الفلسطينية، ولا اطار هناك سواه، كما ارادت شروط "حماس" مصادقة من المجلس التشريعي، وهو المجلس المعطل بفعل الانقسام وتواصله، ثم، وعلى نحو المناكفة، طالبت بتمديد مهلة التشاور، التي كان الرئيس ابو مازن حددها بأسبوع واحد.
وباختصار بليغ، فإن هذه الشروط صيغت وعلى النحو الذي لا يجعل منها سوى تلك العصي التي توضع في دواليب العربات لعرقلة مسيرتها بل واعطابها لغايات واهداف خبيثة، وقد كانت عربة المشاورات الوطنية لتشكيل حكومة الوحدة، ماضية في طريقها في المشاورات الهاتفية التي جرت مع عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى ابو مرزوق، الذي حلق في بداية هذه المشاورات، في فضاء المرونة والتجاوب دون اي شروط تذكر..!!
لم يدم هذا التجاوب طويلا حتى تراجعت حماس عن هذه المرونة, ليأتي ابو مرزوق بالشروط العصي مكتوبة، ما اقفل باب التشاور، وجعل من الطريق الى حكومة الوحدة طريقا مغلقة، والحقيقة ان حركة حماس بمثل هذا السلوك، لم تحد عن نهجها بكل ما يتعلق بالمصالحة الوطنية وانهاء الانقسام، اذ هو منهج البحث عن مزيد من التشاور والحوارات، ومن اجل التشاور والحوارات واضاعة الوقت ليس إلا, لعل مشروع الامارة او الدويلة يحضى بفرصة ممكنة..!!
ومن الواضح مرة اخرى واخرى، ان حركة حماس، وهي مصرة على هذا النهج، ليست في وارد تعمير الوحدة الوطنية، وانهاء الانقسام المرير، الذي لا يدفع ثمنه سوى ابناء شعبنا، خاصة في قطاع غزة، حيث عجلة التنمية توقفت تماما وحيث اعادة الاعمار ما زالت تحبو في دروب صعبة، وحيث لا حريات سوى حرية فرض الضرائب والخوات على الناس البسطاء، وهي السلطة التي لا تريد حماس التنازل عنها وفي سبيلها لها اليوم دردشات الغواية مع اسرائيل، التي لا آفاق لها سوى خدمات الشؤون المدنية، وخدمات الحراسة لأمن اسرائيل واستيطانها، في الهدنة طويلة الأمد..!! ومع ذلك سنواصل الطرق على جدران الخزان، لعل حركة حماس تصحو من اوهام هذه الدردشات، وتدرك على نحو وطني، ان لا خلاص لها سوى بيت الشرعية في منظمة التحرير الفلسطينية، وان حكومة الوحدة الوطنية التي نتطلع اليها ونسعى لمواصلة الحوار من اجلها، هي الحكومة التي تريد اولا تضميد جراح اهلنا في غزة وتعمير بيوتهم، والتصدي لمختلف شؤون الحياة اليومية هنا وهناك، من اجل ان تكون حياة نمو وأمن وامان، كي نمضي في دروب النضال الوطني اوضح واقوى لدحر الاحتلال، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
رئيس تحرير الحياة الجديدة