قرن القدس وليس يومها !- خيري منصور
هل يكفي يوم واحد لقدس الايام والاعوام كلها ؟ خصوصا بعد ان اصبحت عاصمة الأرض وسُرّة الكون عُرضة للقضم الاستيطاني والتهويد ؟ وبعد ان وقفت بمفردها في هذا العراء القومي والانساني .
المسألة قدر تعلقها بالقدس تجاوزت ذلك التقليد الطّقسي الذي يكرس لها يوما واحدا للاحتفاء، فيما يتراوح هذا الطقس بين الرجاء والعزاء فما يقدم من تقارير عن احوال القدس لا يقبل التسويف او تكرار ردود الافعال الكلامية الممنوعة من اي صرف ميداني .
وهذه العاصمة لم يعد لها معتصم او عاصم في زمن التخلي والخذلان وفرار كل واحد بما تبقى من جلده كي ينجو، والحقيقة ان النجاة باتت مستحيلا رابعا في صراع لا حدود له ولا آفاق، ما دام هناك من يسعون الى تحويل السّطو الى استحقاق، وحقوق الضحايا الى غنائم .
ما كُتب عن القدس نثرا وشعرا وخطابات اعلامية موسمية هو اضعاف مضاعفة للسور الذي كان ذات يوم عروبة محارة تصون اللؤلؤة، وحين تنوب الكلمة العزلاء عن الفعل فإن المعادلة كلها تصبح عرجاء وفي مهب تاريخ غاشم تطالب ضحاياه بالاعتذار الى جلاديها، وحين يتزامن يوم كوني للقدس مع هذه المشاهد التي نراها على امتداد خطوط الطول والعرض الطائفية فإن الامر يتجاوز المصادفة، فالقدس لا وقت لها في مثل هذه التقاويم القومية المجنونة، وفي حروب الاخوة الاعداء التي توزع هزائمها بالتساوي على هابيل العرب وقابيلهم .
ان كل حجر مقدسي ممهور ببصمات من شيدوا منه قلعة القلاع كلها يرشح الدم والدمع من مساماته والاستغاثات سواء صدرت عن بشر او حجر او شجر لا تصل الى المرسل اليه، لأنه مستغرق في شجن آخر .
ان لدى القدس وكل ما فيها فائضا من الكلام الذي تحول الى طقس عزاء وكل ما يمكن ان يقال سبق له ان قيل بمختلف لهجات العرب وعلى اختلاف شاشاتهم ومنصاتهم .
ان كل دقيقة تمر على القدس وهي على هذه الحال لها ثمن باهظ، لهذا فالمديونية التي تراكمت علينا جميعا قد يتعذر سدادها حتى بعد قرن .
والذي ينزف الدم من خاصرتيه لا يريد باقات ورد او قصائد بل يريد دما يعيد اليه العافية، فأين هو هذا الدم ؟
القدس في يومها وعامها وألفياتها كلها مثال لما ينتجه الافراط في اللامبالاة والصمت، وهو التفريط بأعزّ موروث أرضي وسماوي !!
نقلا عن الدستور الاردنية