التحالف الاسود - عمر حلمي الغول
للمرة الثالثة خلال الشهور الاربعة الماضية ينشر غيورا إيلاند، مستشار الامن القومي الاسرائيلي مواقفه المنادية والداعمة لخيار مساعدة إسرائيل لحركة حماس في سيطرتها على قطاع غزة، وتكريس الانفصال عن الشرعية. جاءت مقالته الاولى في 17/3 الماضي، والثانية في 8/5 الماضي والثالثة في 10/7، وجميعها إحتضنتها صفحات جريدة "يديعوت أحرونوت".
وغيورا إيلاند، هو المجدد للمشروع التصفوي للقضية الفلسطينية عبر ما يسمى "دولة غزة الكبرى" الممتدة حتى العريش. وكان المشروع طرح في العام 1955 من قبل الاميركي جونسون. غير انه (إيلاند) مع صناع القرار الاسرائيلي، قام باعادة صياغة المشروع على شكل مراحل، ارتباطا بالمتغيرات في المشهد الفلسطيني والعربي، وخاصة بعد إنتصار ثورة الثلاثين من يونيو 2013 المصرية على نظام الاخوان المسلمين. فبات يتبنى اولا مشروع الاعتراف الاسرائيلي بدولة "حماس في غزة"؛ وثانيا تأهيل الدولة القزمية من خلال إقامة الميناء العائم؛ وثالثا إسقاط صفة الارهاب عن حركة حماس، فجاء في مقالته الاخيرة حول هذه النقطة:" إن حماس ليست القاعدة، فهي ليست إرهابية، وقد انتخبت ديمقراطيا". ليس هذا فحسب، بل أن مستشار الامن القومي الاسرائيلي السابق، يذهب بعيدا في التعامل مع لجوء حماس لامتلاك الصواريخ والاسلحة، فيقول: " وبدون الانتخابات ما كانت حماس قادرة على بناء ترسانة عسكرية، ومنظومة أنفاق". وكأن الانتخابات تسمح لاي قوة تفوز بها "قلب النظام السياسي رأسا على عقب"! وتسمح لكل من هب ودب ان يخرق القانون والنظام العام، ويشق وحدة الشعب والارض هنا او هناك!؟ اليس في قول ومنطق أيلاند تناقض فاضح وخطير، وتناقض مع مرتكزات اي نظام سياسي، لان تداول السلطة في اي دولة، لا يعني الانقلاب على مرتكزات النظام السياسي، بل ادارة الدولة وفق الدستور والقانون؛ رابعا العمل على تعويم إمارة غزة في الاوساط الدولية وخاصة مع الاوروبيين والولايات المتحدة؛ خامسا تهميش دور ومكانة الشرعية الوطنية، والعمل على إضعافها حتى عصرها كالليمونة، وجاء في ما كتب:" أما حماس فلها مصلحة سياسية، فهي تريد الاعتراف بشرعيتها في حكم غزة" وبالتالي فإن "إصرارنا في عام 2006 على ضرورة وجود السلطة الفلسطينية في غزة" لم يكن دقيقا ولا موفقا، وهذا "الخطأ لم يسبب (لنا) الفشل في تحقيق مصالحنا فقط، ولكن سبب لنا الضرر في المصلحة الامنية"؛ سادسا انتظار المتغيرات الجارية في المنطقة وخاصة في مصر، لاسيما وان الرهان الاميركي الاسرائيلي مازال قائما على جماعة الاخوان المسلمين ب"استعادة زمام الامور" فيها، ولعل المتابع لاشتداد وتصاعد العمليات الارهابية من قبل الجماعات التكفيرية الاسلاموية المنبثقة من رحم التنظيم الدولي للاخوان والمدعومة اميركيا واسرائيليا ومن دول اسلامية وعربية، يستطيع الاستنتاج، بان السيناريو المؤمل، عودة مشروع "غزة الكبرى"، وخلال المرحلة الانتقالية، يتم تصفية مشروع السلطة الوطنية، ونزع الاعتراف منها لصالح دولة الاخوان في غزة. في المقابل يتم العمل على اكثر من مستوى وصعيد في الضفة، ترحيل اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، السيطرة الكلية على القدس الشرقية والاغوار؛ ومنح من تبقى من الفلسطينيين في محافظات الشمال الهوية الاسرائيلية، على اعتبار أن "يهودا والسامرة" هي "قلب إسرائيل النابض" !!
واذا دقق اي مراقب، في كيفية تعويم إسرائيل ومن لف لفها لفرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين، في البداية جرى منحها "الشرعية" عبر "محاربتها" باسم الارهاب، وايضا كلما خفت صوتها وحضورها في اوساط الشارع الفلسطيني والعربي، كانت تقوم إسرائيل بشن حرب همجية، ضحيتها المواطنين العزل؛ والمرحلة الجديدة، الاعتراف بها والتعامل معها كحقيقة قائمة، ووفق الشروط الاسرائيلية، وفي إطار التحالف الاسود، الذي جمع ويجمع بين إسرائيل وجماعة الاخوان المسلمين الدولية وفرعها الفلسطيني. الامر الذي يتطلب من قيادة منظمة التحرير وكل من له مصلحة بالمشروع الوطني وحماية النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي، اعادة نظر باليات العمل القائمة والاستعداد لمواجهة التحديات الاسوأ القادمة ..