جاذبية البلاسيبو في واقعنا الفلسطيني - د.مازن صافي
بداية علينا أن نتفق جميعا أن القضية الفلسطينية تمر بأدق وأخطر مراحلها، وأنه ان لم ندرك ذلك "جيدا" قبل فوات الأوان فسوف ندخل في دولاب دوَّار وقفزات في الهواء، فيبدو مما يدور إقليميا بان "تحالفات" جديدة سوف تطل برأسها وفي الغالب سيكون العامل المشترك والأقوى بينها هو "العامل الاقتصادي" ويتزامن ذلك بتجديد خطة وزير الخارجية الأمريكي التي أطلقها قبل سنوات حول ما سمي بــ "السلام الاقتصادي" المرتبط بالأمن وليس بالتحرير أو إنهاء الاحتلال.
من المؤسف جدا بأنه كلما اقتربنا من "إنهاء الانقسام" تعود الطرق مغلقة، وتمتلئ شوارع الوطن بأوجاع لا تنتهي، ويعود الانقسام بتفاصيله المريرة "سيد الموقف"، وكل مرة يتم "ترقيع" الجرح لعل وعسى أن يندمل ويشفى ويلتحم "شقي الوطن"، ولكن نكتشف بعد فترة أن هذا "الالتحام" مجرد وهم لا وجود له مثل عَقار البلاسيبو placebo، وهذا العقار هو "دواء وهمي" يبدو لمن يُعطى له أنه "العلاج الطبي الناجع"، ولكن الحقيقة أنه من العلاجات الوهمية التي لا تحتوي على المادة الفعالة، والتأثير ربما يكون إيجابي بالفعل أكثر من الدواء الذي يحتوي على المادة الفعالة، ولكن ربما لا يكون له أي تأثير أو فعل، وتبقى أعراض الشخص المرضية مستمرة، ونحن في عالم الصيادلة نلجأ لاستخدام العلاج الوهمي في حالات الإدمان أو الكآبة والآلام واضطرابات النوم وحديثا تقول الدراسات أنه يفيد حتى في حالات "الأزمات" الصدرية أو ما يعرف بالربو.
ان البلاسيبو السياسي يقدم الإغاثة ولكنه لا يقدم الحلول المؤكدة، وحين لا يفيد البلاسيبو وهذا ما حدث فعلا فإن الجسم الفلسطيني سيستمر في معاناته وعذابه وانتظاره، ويواصل رحلة البحث عن الوحدة "الفعَّالة" بعد أن أصبحت "الكلمة" الأقرب لتفسير معنى "الاندماج" – الوحدة - بعد "التغريب" – الانقسام -، فنسمع كثير من أبناء الوطن أنهم أصبحوا يعيشوا غرباء حتى في بيوتهم وبين أهلهم ولا مستقبل لهم، وكثير مما يسمعونه لم يعودوا يبنون عليه غدهم وكثير منهم يصفه بأنه "أضغاث أحلام".
المواطن الفلسطيني الذي يبحث عن "بارقة أمل" يقول لا أريد أن أدفع قيمة فاتورة بضاعتها ليست لي، ولا أريد أن أدخل دوامات لا تنتهي، أريد أن أحيا وأعيش وأتنفس واقعية، نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا، ونتساءل أين نذهب من كل ما يخنقنا، لا نريد بلاسيبو الوهم ولا يُعقل أن نتجرع المزيد من سموم الانقسام، نريد أن نذهب للمستقبل بأمان.
ملاحظة: الوحدة عنوان كرامتنا واستقلالنا وتحررنا وقيام دولتنا وزوال الاحتلال، وفي حال لم يكن هناك وحدة فلن يكون لنا لا دولة ولا حرية ولا كرامة ولا مستقبل وسيستمر الاحتلال في طغيانه وعنجهيته وسرطان استيطانه وتسهيلاته الوهمية.