وجدان النشيد الملحمي
لا يدع الرئيس ابو مازن، مناسبة، رسمية او غير ذلك، إلا ويعلن فيها اصرار السلطة الوطنية على سعيها لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وانهاء الانقسام البغيض، على الرغم من كل ما تواصل حركة حماس قوله ضد هذا المسعى، على لسان ناطقيها الذين لا يعرفون شيئا عن القول الوطني الحسن.
وفي كثير القول الحمساوي، الذي مع الاسف الشديد، لا أساس له على ما يبدو، سوى الضغينة بعد الوهم، نعني وهم الامارة بالطبع، ما يطعن ويجرح دونما شك، لا من حيث انه يشكك ويتهم وحتى يشتم دون تقدير لأي اعتبار فحسب، وانما ايضا من حيث انه يظل قولا لا وطنيا، لا يخدم مسيرة فلسطين التحررية، بل ويعرقل تقدم هذه المسيرة على نحو فعال، غير ان الرئيس ابو مازن يتعالى على هذا القول، ويعض على الجرح، لأن وجدانه الوطني والاخلاقي، الذي هو وجدان حركة التحرر الوطني الفلسطينية، لا يقبل النزول الى مستوى القول الانقسامي القبيح، ولا يرضى بمماحكاته الحزبية ولا برغباته الاستهلاكية، ولأن فلسطين بقضيتها المقدسة، لا تتكلم إلا باللغة الجامعة، لغة الوحدة والتلاحم، التي قال روحها على نحو تراجيدي ذات يوم، محمود درويش، وهو يخاطب المنشقين الذين اطلقوا رصاصا قيل انه فلسطيني على الجسد الفلسطيني اذ قال: "أخي يا اخي لن احل وثاق العناق ولن أتركك" عودوا الى قصيدته وأقرأوها جيدا، لكي تتلمسوا حقيقة هذا الوجدان/ الضرورة لسلامة مسيرة التحرر الوطنية، والذي لا يترك مناسبة إلا ويعلن فيها اصراره على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
بهذا الوجدان، الذي هو وبعيدا عن لغة السياسة وتحليلاتها، وجدان النشيد الوطني الملحمي، تمضي حركة التحرر الوطني الفلسطينية، الى تكريس لغة فلسطين الجامعة، ونبذ لغة الفرقة والانقسام، بل وعدم الالتفات اليها، حتى والكثير من قواعدها تتفلت من اجل ردود ساخنة، لكننا لسنا انفعاليين، ولأن فلسطين لا تقبل لنا ان نكون كذلك.
بهذا الوجدان النبيل نمضي، ونظل نذهب الى القصيدة ونستعين بها لنقول هذه المرة ما قاله المتنبي "على قدر اهل العزم تأتي العزائم / وتأتي على قدر الكرام المكارم / وتعظم في عين الصغير صغارها / وتصغر في عين العظيم العظائم " وستبقى هذه لغتنا هنا، وهذا هو موقفنا، لأن طريق الحرية تظل هي طريق الحق الصعبة التي لا يحسن السير فيها القوالون الانفعاليون واصحاب المصالح الصغيرة الضيقة، وهي الطريق التي لا ترضى بغير القول النزيه، الذي هو قول الحق، ولطالما كان هذا القول هو الجامع الموحد.
وللضرورة ينبغي ان نوضح ان القول الحق لا يعني التغاضي عن الاخطاء والخطايا والسكوت عنها، والنسيان حيث ينبغي التذكر، لأن الذكرى تنفع المؤمنين، واذا كان قول الحق يسعى الى التسامح فإنه لا يترك الحساب، لكن ليس الانتقامي، وانما التصالحي والتنويري، في نص النقد والمراجعة والمساءلة، وفي النهاية فإن لكل وقت قوله، والوقت ما زال هو وقت مرحلة التحرر الوطني التي لا تريد غير الوحدة الوطنية بلغتها الجامعة.
رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة