القضية الفلسطينية في مواجهة المتغيرات الإقليمية الجديدة - د.مازن صافي
لم تعد القضية الفلسطينية هي نقطة الارتكاز للمحاور الإقليمية، وربما في بعض التفاصيل تحولت إلى نقطة استكمالية او استعراضية، وتنشط هذه المحاور في استخدام الورقة الفلسطينية "داخليا" دون التأثير على الرأي العام، وللأسف إن الكثيرين تحولت اهتماماتهم بنا، وأصبحوا ينظروا لنا كمساحة جغرافية "تحتاج" الإغاثة والمعونات والتدخل الغذائي أو الدوائي وخاصة في الأزمات التي "تحرجهم" .
وفي الوقت الذي تنشط فيه التحليلات السياسية، حول الدور الإيراني القادم في المنطقة، وخاصة بعد الانتعاش الاقتصادي الكبير الذي سيرافق رفع الحصار عنها وضخ الأموال إلى مصارفها وفتح السوق العالمية منها واليها، تنشط أيضا الإدارة الأمريكية في إرسال رسائل "طمأنة" للمحيط العربي حول "المستقبل الغامض" وتتضمن الرسالة سطورا من أن الانتعاش الإيراني لن يصل إلى مرحلة الاستحواذ أو التهديد لمناطق عربية محيطة، ولكن لم يتحدث أحد عن الجيوب الإيرانية والأحزاب التي تدعمها إيران فوق الأرض العربية بما يسمى " المد الإيراني أو الشيعي" في المنطقة، وصار الاستنجاد بالحماية الأمريكية وسيلة "تهدئة"، دون التفكير في تفعيل حلف عربي ضاغط وموحد يقف أمام خارطة جديدة تتمدد ببطء ولسنوات عديدة لتنفيذ خطط دولية تستكمل خطط وبرامج وضعت قبل سنوات طوال أيضا، والهدف النهائي هو حماية أمن (إسرائيل) وتفكيك الأمة العربية وإضعاف أو إنهاء قوتها العسكرية وحتى الاقتصادية.
من المعيب والمخجل أن نرتهن للمخطط الأمريكي والدولي ونصبح رهن التهديد الإيراني "المتمدد"، ومن الصعب التعويل على "لهاث" أوروبا التي ستعمل على "إرضاء" الإيرانيين من أجل كسب ود "الثورة الاستثمارية" ومليون برميل من النفط يوميا، وبلايين الدولارات وأسواق ستفتح كل أبوابها في وجه بوابة اقتصادية تمتلك الكثير من مقومات القوة، وهي تريد أن تكون "قوة إقليمية" مؤثرة سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
المؤسف أن الشعوب العربية "المخدرة" لا تهتم بهكذا أمور وتنشغل في أمورها الداخلية التي تم إغراقها فيها، وهي كمن يتنازع داخل البيت الواحد عن لون الدهان ونوع قماش الستاير ومعدن الصنابير ونوع خشب الأبواب ويعلو صوت الاختلاف ويتناسون أو لا يهتمون بمن يقف على مقربة من البيت، و من يريد أن يدخله عنوة أو حتى أن ينسفه كاملا أو أن يشتت ساكنيه واحدا تلو الأخر وزراعة "كاميرات" مراقبة في كل أركان البيت من الداخل حتى تصبح كل العورات مكشوفة ولا حول ولا قوة لأي من ساكنيه.
إن قضيتنا الفلسطينية لن تكون في منأى عن هذه التجاذبات والمؤثرات الإقليمية والخارطة الاقتصادية والأمنية الجديدة، ولربما تتراجع مع بدء أول المواجهات بين دول الخليج العربي ودولة الخليج الفارسي، سواء كانت المواجهات باردة او اقتصادية عنوانها البترول وأسعاره، أو حتى تنشيط المحاور وتنشيط عملية التحشيد أو حتى الزج بمجموعات أو عناصر أو جماعات ناشئة بغرض إرباك القدرة على التفكير والتقدم للأمام، والأسوأ حين يكون ذلك متزامنا مع التراشق الإعلامي الساخن، لهذا لا يمكن للقضية الفلسطينية و للقيادات والأحزاب الفلسطينية أن تتبلور قوتها واستقلالية قرارها وقوة حضورها إلا بوحدتها ووحدة برنامجها الوطني والتلاحم الحقيقي وإنهاء الانقسام والدخول في استقرار الوضع القانوني لكافة المرتكزات التشريعية عبر إنهاء ملف الانتخابات وتجديد الدماء في الجسد الفلسطيني وعودة الكلمة الواحدة والقرار الواحد لنتمكن من مواجهة المتغيرات الإقليمية القادمة، وألا نصبح مجرد نقاط متناثرة تُستقطب هنا او هناك دون ان تكون قادرة على إعادة تشكيل جملة الحلم الفلسطيني والأهداف الوطنية .