القدس والظلاميون في هذا الخضم- عدلي صادق
في الوقت الذي يدافع فيه الفلسطينيون بصدورهم العارية، عن أولى القبلتين؛ يواصل المدججون بأسلحة الشر والخيبة والزمن الرديء أعمال القتل الإرهابية في سيناء القريبة، وينتشرون كالأفاعي في الأوطان، وهم بين خلايا ناشطة تضرب، وخلايا نائمة تتحفز للصحو الذميم. كأنما هناك حلف مكتوب ـ وهو غير مكتوب ـ بين أشرار الصهيونية المتلطين بالدين اليهودي، وأحبابهم الأشرار من المتأسلمين، والهدف واحد، وهو أن يفقد المرابطون في الأقصى، ومن تهفو قلوبهم الى زهرة المدائن، كل نصير وظهير، وأن تفقد أوطاننا المستقلة، أو تلك التي تسعى الى تكريس استقلالها وحماية مصيرها، ووطننا فلسطين المتعطشة للاستقلال والحرية، كل نصاب، وأن تبذل الأمة، من أقصى أرضها الى أقصاها، المقدرات لحماية نفسها بدل إغاثة أشقائها، وأن يختلط الحابل بالنابل وتتعطل البوصلة!
محشورون نحن مع وحش التطرف والجنون. يدافع شعبنا، بمفرده، عن مقدساته بالأيدي وبحضوره الجسماني، الذي يشكل سداً منيعاً في وجه أولئك المسكونين بهوس الأسطورة، الذين أوغلوا في حفرياتهم، ولم يقلبوا حجراً في القدس إلا وقرأوا فيه حكاية اليبوسي الفلسطيني القديم، التي تعزز رواية الفلسطيني الجديد، وتؤكد على صواب مسعاه وصموده وذوده عن روحه وعن المقدس في أرضه، وعن الأقصى رمز قضيته!
الفئة الضالة، التي تحرمنا من الظهير والنصير، وتمتشق خطاب المطلقات والوعود القصوى الإقصائية، المفتتة لوحدة الأمة، ما زالت في حال اشتباك مع الناس في أوطاننا. تضرب وتفجر وتطلق الرصاص، لإزهاق أرواح الأبرياء من البشر المواطنين والبشر الجنود حراس الأوطان. في الوقت نفسه، تهجم الأفاعي السامة، من معسكر الصهيونية، على العُزل المتعبدين في الأقصى. الأولون يسعون الى مسح كل ومضة مشرقة من تاريخ العرب، والأخيرون يسعون الى مسح ذاكرتنا والى ضربنا في القلب وتخليق الكارثة تلو الأخرى في حياتنا ومصيرنا.
على مبعدة فادحة وفاضحة، من الإحداثيات الصحيحة لحركة الأمم، يمارس من ابتلينا بهم من الظلاميين، كل آثام الفُرقة واسترخاص الدم الغالي. كذلك يمارس المعتوهون الظلاميون الصهاينة، كل ما يسد أفق استقرار المنطقة وينسف حق شعبنا في الحرية والعيش مستقلاً كباقي الشعوب، ويمتنعون عن تقبل الحقيقة البسيطة، وهي أن القدس محتلة، وأن هذا هو التعريف الفعلي لوضعها مهما فعلت إسرائيل ومهما عربدت. فالمُحرّم الأسطوري الذي يتمسكون به، لإبقاء القدس أسيرة، سيظل باطلاً مطعوناً فيه، مرفوضاً وقلقاً ومداناً، الى أن تشرق شمس الحرية وينكفئ مشروع الاحتلال والاستلاب.
لم يعد أمامنا سوى العمل على استنهاض الأمنية، بمحاصرة قوتي الظلام والتطرف، اللتين تعملان على سلب الحق وإنهاك الأمة لكي تصبح عاجزة عن أي حراك لاستعادة الحقوق. في هذا السياق، لا بد من المثابرة والحيوية والإصرار على الإمساك بقوة بحبل تاريخ القدس العربية الفلسطينية الممتد منذ المعماري اليبوسي الأول، حتى الأرثوذكسي أنطونين، مروراً بسليمان وهيرود وقسطنطين وعمر بن الخطاب، وصلاح الدين، ومجاهدي وشهداء فلسطين المعاصرة. إنها معركة الجدارة والعدالة، بين أناس مروا على أرضنا ولم تتجاوز مساحة مملكة داود التي يتذرعون بها، وهي لم تزد عن 81 دونماً، من وطن تحتله الصهيونية المدججة بالسلاح ومساحته نحو 110 مليون دونم.
باقون نحن في فلسطين، والأمة باقية في أوطانها، ودوام الحال من المُحال. وعلمنا التاريخ، أن أية قوة ظلامية، من أي دين أو أي مشرب، لن تفلح وأنها ستزول لا محالة.