رحيل بطعم البقاء.. وتقصير ينتظر التغيير!- د. صبري صيدم
كتبت قبل أيام على إحدى الصفحات الإلكترونية التي أتشرف بالمشاركة في إدارتها في الفضاء الإلكتروني طلبا بالإذن من رواد تلك الصفحة للكتابة عن ذكرى والدي الرابعة والأربعين معتذرا سلفا لملء ذلك الحيز العام بالحديث عن قضية قد يراها البعض خاصة وعائلية.
عندها جاءتني رسالة إلكترونية خاصة تعاتبني على أنني اخترت الاستئذان طريقا لشخص لم يكن في حياته أمر خاص سوى زواجه وخروجي وشقيقتي إلى حيز الحياة. صاحب العتاب الغاضب استطرد في عتابه ليقول اننا يجب ألا نستأذن أحدا في الحديث عن شخصية فدائية عامة بحجم أبو صبري ورفاقه من الرعيل المؤسس للثورة الفلسطينية المعاصرة، وأننا مقصرون أصلا في تذكير أبنائنا بتاريخ من الفخار والعز خطه هؤلاء في مسيرة حياتهم النضالية المشرفة.
كلام صاحبنا الأصيل عززه لقاء على فضائية عودة يقوده الأخ محمود أبو الهيجا الذي أغرورقت عيناه بالدمع عندما استذكرنا تاريخ الأبطال قبل تسجيلنا لحلقة ستعرض من برنامج فرسان الملحمة الذي يعده ويقدمه الأخ أبو الهيجا على الفضائية المذكورة. الحديث الشيق والمؤلم تمحور حول حاجتنا لإلقاء الضوء أكثر فأكثر على المسيرة المشرفة لجيل العمالقة من القادة والكوادر والجنود المجهولين وكأننا عاتبنا أنفسنا للتقصير الواضح في إبراز سير هؤلاء. ولعل الحديث عن قصصهم الشخصية وعلاقاتهم الإنسانية سيكون أكثر وقعا من المواقف العامة التي عرفت عنهم وسجلت في تاريخهم وتاريخ الشعب الفلسطيني.
التقصير واضح عندما نأتي على شخصيات بقامة أبو علي إياد وعبد الفتاح حمود وماجد أبو شرار وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وحمدي سلطان وأبو حسن ومجيد الآغا وعبد الكريم العكلوك وغيرهم الكثير ممن صنعوا تاريخا مشرفا من الفخار والصمود والكرامة في محطات تاريخية عزت فيها الكرامة العربية وغرقت معها أمتنا في نيران الفرقة والهزائم والانهزام.
ولعل نار التقصير تستعر أكثر كلما آمنا بأن مراحل عدة من حياة هؤلاء اتسمت بالسرية التامة وهو الأمر الذي حرمهم من الإنصاف المطلوب في استذكار سيرهم وعطاءاتهم، كما أن إيغال البعض في عنترياتهم المستجدة وادعاءاتهم الطارئة بأن التاريخ قد بدأ عندهم ومعهم ليستوجب معه تذكير الناس بما امتلكته ثورتنا الفلسطينية المجيدة والمعاصرة من إرث نضالي عظيم أحجمنا ذات يوم لتواضعنا وتقصيرنا عن الحديث عنه.
ولعل الحديث عن أزمة التقصير أيضا تشعل نارا أكبر تستثار معها حميتنا وتداعينا لنفض الواقع والانطلاق نحو إعادة إحياء هذا الإرث بتوثيقه ونشره والخروج بإضاءات مهمة حوله حتى يبقى رحيل هؤلاء عن الدنيا ممهورا ببقاء للسيرة العطرة حاضرة من ناحية أخرى. ولربما انتقل المجلس الاستشاري لحركة فتح ومفوضية الثقافة والإعلام وغيرهم من الأطر ذات الصلة إلى هذا الحيز بشكل أكبر وأوسع وأعم وانتقلنا جميعا نحو القناعة بأننا يجب أن نكافح تقصيرنا ونروي قصص الثورة الفلسطينية عبر التاريخ الشفوي والمكتوب والمصور والمسموع مع التقدير طبعا لكل من حاول في هذا الاتجاه من باب التوسيم أو الإنتاج الفلمي أو كتابة القصص والروايات والتعاميم حول التاريخ المشرف.
إن خجلنا بحق تاريخنا من باب التعفف أحيانا لا بد وأنه يترك حيزا معنويا وفكريا فارغا في وجدان وعقول أبنائنا وبناتنا ولا داعي أن أسأل كم من شاب فلسطيني يعرفون فلان أو علان من أبطال الملاحم النضالية المشرفة. لذا وبعد شكر كل من اتصل بي هاتفيا وإلكترونيا أو قابلني شخصيا أو كتب خبرا أو مقالا أو تعميما حول ذكرى الشهيد أبو صبري الرابعة والأربعين فإنني آمل أن يرفد أحياء ذكرى شهدائنا بذكر تاريخهم وتدوين سيرهم وتفاصيلها ونشرها كجزء أصيل من حياتنا النضالية التاريخية. وقد كان لنا مع انتاج الفلم الوثائقي شموخ السنديان حول سيرة أو صبري وأم صبري والمتاح على الشبكة العنكبوتية اليوم فرصة لتقييم حجم العاتبين علينا جميعا لشح انتاج أفلام أكثر بهذا المستوى وقلة المواد التدوينية المتاحة.
قريبا ستحل ذكرى أم صبري الرابعة ومعها آملا ألا اعود للشعور بالتقصير في ذات الحيز وذات المربع وبذات القدر.. الثورة المستمرة هي مستمرة بتاريخها وفكرها وسيرة أبنائها وليس فقط في مقارعاتها اليومية... فهل وصلت الرسالة؟
s.saidam@gmail.com