في انتظار العقاب
سمعنا من اسرائيل، من كبار زعمائها، كلاما كثيرا عن ادانة العملية الارهابية الاجرامية، التي نفذها المستوطنون في قرية دوما ضد عائلة الدوابشة، الذين أشعلوا محرقة لهذه العائلة الآمنة، فقتلوا عليا الرضيع حرقا حتى التفحم، فيما والداه يصارعان الموت الآن جراء حروقهما الخطيرة جدا.
رئيس الدولة الاسرائيلي "رؤفين ريفلين" اتصل بالرئيس ابو مازن معزيا ومنددا بهذه العملية البشعة، بعد ان كان قد اعلن انه "حزين وخجل، والعار كبير، لأنه من الصعب ان يرى " شعبه" يفعل شيئا كهذا" و "لن نتسامح بعد مع الارهاب".
رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، استنكر هو الآخر العملية البشعة لكنه قال كلاما اقل من هذا، زعيم المعسكر الصهيوني، هيرتزوغ، ردد ذات الكلمات تقريبا مصرحا "انه عمل ارهابي اجرامي" والمحصلة حتى الآن مجرد تصريحات ...!!
كنا سمعنا كلاما مشابها اثر جريمة حرق الفتى ابو خضير، قبل عام واكثر قليلا، والنتيجة كانت وما زالت حتى الآن، ان المجرمين القتلة، وكأنهم في منتجع مفتوح يخرجون منه متى ما أرادوا تحت مسمى الاجازة ..!! لم يحاكموا، لم تهدم بيوتهم ولا شيء سوى الخديعة الاعلامية.
التصريحات كثيرة وفضاء البلاغة واسع لخجل لا وجه له، ولا قدمين، ولا فعل بموقف فاعل، ولذلك كان الرئيس ابو مازن صريحا وعلى حق عندما قال لوفد ميرتس الذي جاء معزيا قبل ايام الى رام الله: لا نريد كلاما، نريد حقائق ملموسة لاجراءات عملية رادعة ومعاقبة لهؤلاء المجرمين.
الامر الآخر الذي يثير الشكوك بمدى جدية ومصداقية تصريحات الاستنكار الاسرائيلية، انه لم نسمع وعلى الاغلب اننا لن نسمع، عن سبب تفشي هذا الاجرام وعلى هذا النحو البشع بين اوساط المستوطنين, هذا عدا تفشي التطرف العنصري في تصريحات وزراء حكومة نتنياهو والتي من اقبحها تصريحات وزيرة العدل التي قالت وبصريح العبارة ان اطفال الفلسطينيين افاع صغيرة وبما يعني ضرورة سحقها...!!
لا تقول اسرائيل إن السبب هو الاستيطان والمستوطنين، وتطرفهم الذي ادى الى مقتل اسحق رابين سابقا، والى تهديد ريفلين اليوم، وهو التطرف الذي لم يتوقف يوما، بإرهاب منظم طيلة السنوات الماضية، والذي قاد الى عمليات حرق وتدمير للمساجد والكنائس والقتل وقد بلغ عدد اعتداءات المستوطنين الارهابية منذ عام 2004 وحتى الآن أحد عشر ألف اعتداء ارهابي، بكل ما في كلمة ارهاب من سلوك ومعنى ونتيجة.
والآن وحتى يكون هناك الحد الادنى من المصداقية لتصريحات رئيس الحكومة الاسرائيلية, ورئيس دولتها, وزعيم معسكرها الصهيوني، ننتظر اولا اعتقال من قاموا بهذه الجريمة النكراء، ومن ثم محاكمتهم وصولا الى هدم بيوتهم.
يعاقب الاحتلال رماة الحجارة بالسجن وتكسير الايادي، ويهدم بيوت الفلسطينيين بذريعة انها بيوت " ارهابيين " ..!! ولكنه اليوم وامام جريمة ارهاب من الطراز الاول والابشع، وضحاياها هوية لهذا العصر، بالرضيع علي وذويه، لا يقدم خطوة واحدة باتجاه ما يعطي لتصريحاته الاستنكارية مصداقيتها ...!!
نقول حتى لا تكون هذه التصريحات للاستهلاك الدولي، وعملا دعائيا للحفاظ على صورة اسرائيل "الديمقراطية"، لا بد من فعل ملموس يضع القتلة خلف القضبان ويقدمهم للمحاكمة لينالوا القصاص العادل، وقبل كل ذلك لا بد ان تعترف اسرائيل بالسبب الحقيقي الكامن وراء كل هذا الاجرام والباعث له: الاستيطان والمستوطنون لتوقفه مرة واحدة والى الابد لعل السلام ينجو بحق بفرصته الممكنة.
من جانبنا نقول بوضوح وبمنتهى الصراحة، من الصعب ان نصدق ان اسرائيل اليمين المتطرف، يمكن ان تقدم على ذلك، فمن احرق ابو خضير وعلي الدوابشة حيين حتى الموت، ومن قصف اطفال غزة، وهدم بيوتها على رؤوس ساكنيها، ومن ارتكب المجازر، من دير ياسين وكفر قاسم، وحتى صبرا وشاتيلا ومخيم جنين, والمسلسل طويل طويل، لا نظن انه قادر على صحوة تفهم عقلانية، وموقف انساني ينهي كل هذه المأساة، ولكننا مع ذلك نقول: هل بالامكان الان ان تكون هناك بداية لاجراءات واقعية وحقيقية وفاعلة، تسقط كلام الاستهلاك نحو الفعل الذي من شأنه ان يعيد في المحصلة الحياة لعملية السلام كي تعود بآمالها المشرقة.
والسلام هو الحل الوحيد لانقاذ هذه المنطقة من المصير الذي يريده لها الارهاب، وقد بات اليوم " داعشيا " تماما مع الاستيطان والمستوطنين.
كلمة الحياة الجديدة - رئيس التحرير