الحضور الطاغي لدرويش - عمر حلمي الغول
مضت سبعة اعوام على رحيل سيد الكلمة. لم يغادرنا، ظل محمود درويش سيد المشهد، ناثرا أشعاره ونثره وطلته البهية في منتدياتنا وجامعاتنا وامسياتنا الفنية والثقافية، وحيث تقرع اجراس الكلمة. لم ينم.. ولم يهدأ.. ولم نقبل وداعه.. نحب حضوره.. وطريقة إلقائه لقصائده.. نحب اناقته ودقة ملامحه.. ونحب مزاجيته وعنفوانه وكبرياءه.. رغم اننا على يقين، ان محمود قد مات، وقرأنا الفاتحة على روحه الطاهرة.. وأقمنا له حديقة ومتحفا ومزارا.
درويش الشاعر التلميذ النجيب لآباء الشعر الفلسطينيين والعرب والعالميين، تفوق على ذاته واقرانه، وتجاوز اساتذته وبني جيله، ليس لانه أعطي مساحة أكبر من غيره، ولا لأن الآخرين انحازوا له، وفضلوه عمن زاملوه او سبقوه. بل لأنه أكد حضوره، واختطف المنبر والكلمة على بساطتها وسلاستها من افواه اقرانه، وكونه تماهى مع اقانيم وفضاءات اللغة الواسعة، وبسط نفوذه سيدا غير منازع على عرشها.
كما ان تميز درويش الشاعر الفلسطيني والعربي والعالمي، لم يلغِ الآخر الفلسطيني او العربي. ولم يسقط دورهما ومكانتهما وأثرهما الابداعي في بحور الشعر وعلم الكلام. لأن محمود لم يقبل، ولن يرضى اختزال الثقافة والشعر خصوصا في شخصه. وهو يعلم ان الثقافة والمعرفة، التي نهل منها، كانت نتاج وحصاد حقب تاريخية طويلة، صاغها رواد سابقون. أفنوا حياتهم على طريق بناء صرح الثقافة الوطنية والقومية والانسانية. ولم ينس دور معلميه، الذين غذوه بأبجدية اللغة وبحور شعرها. ولم يتجاهل اقرانه من الشعراء والمبدعين، الذين لازموه في حياته، وجاورهم في حله وترحاله، حتى عندما افترق لاسباب موضوعية عنهم، ظل على تواصل معهم. لم ينس توفيق زياد ولا سالم جبران ولا حنا ابو حنا ولا راشد حسين ولا ابو سلمى وسميح القاسم ومعين بسيسو ويوسف الخطيب وخالد ابو خالد وحسن البحيري وهارون هاشم رشيد ومريد البرغوثي وعز الدين المناصرة واحمد دحبور وعلي الخليلي وكمال ناصر وجبرا.. إلخ القائمة.
غير ان محمود درويش، كان عبقريا، استطاع النفاذ إلى المتلقي والمشهد الثقافي في آن بطريقة ساحرة، سيدته بفضل لغته الرشيقة وحضوره الطاغي، واستلهامه من إبداعات الشعراء العالميين وحضاراتهم على الساحة دون منازع.
في ذكرى رحيله السابعة، ما زال محمود درويش يلقي في امسياتنا ومنابرنا قصائده، يعيدها على اسماعنا، نسمو بها في فضاءات ملكوته، كأننا نسمعها لاول مرة. ننشد معه الوطن والارض وفلسطين، التي عليها ما يستحق الحياة.. ترنو عيوننا إلى حلم الدولة والى الام والحبيبة والسلام والانتصار على العابرين، الغارقون في وحول حروبهم.. الماضون إلى مصيرهم المجهول.
في ذكرى رحيلك السابعة.. ننحني إجلالا وإكراما لروحك الطاهرة.. ولقصائد شعرك النابضة بالحب والامل والحياة.. عشت سيدا للكلمة.. وما زلت بلا منافس سيدا للكلمة.