أخطار تداعيات تفاهمات حماس – إسرائيل- عزت درا غمة
بعيدا عن المناكفات والمزايدات ودون مواربة وبلا غوص في وحل الاتهامات بمختلف ألوانها وأشكالها، فان كل ما نشر من معلومات وكشف من تفاهمات حول التهدئة طويلة الأمد الجاري بلورتها بين حركة حماس وإسرائيل يؤشر إلى أمر واحد هو ذهاب حركة حماس بقطاع غزة لجعله كيانا فلسطينيا منفصلا ومستقلا عن باقي الاراضي الفلسطينية، وهو ما أكدته مواقف جميع الفصائل والتنظيمات الوطنية والإسلامية التي اعربت عن رفضها لاتفاقية الهدنة التي أعلن قياديون من حماس احتمال الإعلان عنها في أي وقت.
لا احد من الفلسطينيين مهما كان لونه السياسي أو انتماؤه الطائفي أو العقائدي لا يتمنى رفع الحصار عن قطاع غزة فورا وبلا شروط أو قيود، كما لا احد يمانع أو يعارض أن تكون غزة محررة ومستقلة وان تكون جميع منافذها ومعابرها مفتوحة على مدى الساعة وفي كل الاتجاهات، لاسيما المنافذ البحرية والجوية وان تكون بلا رقيب أو حسيب من قبل الاحتلال، لكن أن يشكل المنفذ البحري الجاري الحديث عنه معبرا جديدا تحت رقابة الاحتلال فهذا ليس انجازا، بل عبء سيعاني منه أهلنا في القطاع كما نعاني نحن وهم على المعابر البرية التي يشرف عليها الاحتلال.
وإذا كانت "حماس" التي بفضل سيطرتها وحكمها لقطاع غزة تريد إنهاء الحصار فعلا عن القطاع دون استثمار رفع الحصار لصالحها ومنافعها وأهدافها الحزبية، فلماذا لم تعد إلى الفصائل الفلسطينية التي شاركت في اتفاقية القاهرة لهذا الغرض، لاسيما وان ما توصلت إليه الفصائل مجتمعة أعلى بكثير من سقف مطالب أو تفاهمات حماس مع الاحتلال، وإذا كانت حركة حماس حريصة على البعد الوحدوي الوطني والمجتمعي والاقتصادي، فلماذا نأت بنفسها وحدها لقيادة المفاوضات السرية مع الاحتلال، ومن ثم تأتي لتضع أو لتفرض على الفصائل وطبقات المجتمع التفاهمات التي توصلت إليها وكأنها إلزامية رافضة أي معارضة لها، فهل هذه التفاهمات ربانية أو منزلة بوحي ممن رعوا المفاوضات ؟
لقد أكدت الفصائل الفلسطينية التي اجتمع بها قادة حماس لإقناعها بما توصلوا إليه من تفاهمات مع الاحتلال خطورة ما تقدم عليه حركة حماس ومعها من شملوا هذه المفاوضات برعايتهم، وحذرت الفصائل من محاولة تقسيم التمثيل الفلسطيني وهو أمر يتلاقى مع أهداف الاحتلال التي يأتي في مقدمتها الإطاحة بمفهوم ومنظومة وإمكانية إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا على أراضي الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة، إلى جانب أن المفاوضات السرية التي قادتها حماس مع إسرائيل استهدفت من ورائها حكومة وسلطات الاحتلال تثبيت الانقسام الفلسطيني إلى ما لا نهاية، من خلال فصل القطاع ومستقبله عن الضفة، وكأن شعبنا في غزة لا علاقة لهم بالشعب الفلسطيني في الضفة والقدس، كما يستشف ويفهم من التفاهمات التي نشرت أو تسربت للفصائل من قبل قادة حماس أنفسهم، وهنا تكمن خطورة ما ذهبت إليه حركة حماس أكثر فأكثر، إذ سيكون للشعب الفلسطيني كيانين وقيادتين الأمر الذي يلتقي مع مزاعم قادة الاحتلال وحكوماتهم التي دائما كانت ولا زالت تشكك بشرعية التمثيل الفلسطيني، وهو ما كان ينال من صلابة ومواقف وطروحات المفاوض الفلسطيني حتى في المنابر الدولية والاقليمية.
إن رعاة المفاوضات بين حماس وإسرائيل وان كانوا أصلا يريدون تحقيق مكاسب لخدمة أجندات دولهم قبل أي شيء آخر، كان حري بهم دعم وحدة الموقف الفلسطيني لا ترسيخ الانقسام وتشتيت الاستحقاقات الوطنية الفلسطينية، وإذا كان رعاة المفاوضات والتفاهمات غيورين على فلسطين وقضيتها وشعبها كما يزعمون، أليس حري بهم العمل على رفض التعاطي مع حلول تضعف المطالب الوطنية وتصل بها إلى أدنى سقف؟ فبدلا من الوصول إلى إقامة ميناء بحري حر ووطني بكل ما تعنيه الكلمة يذهبون للقبول بممر مائي تكون رقابته والإشراف عليه حتى لو من بعيد وبشكل غير مرئي لإسرائيل، ولماذا قبل رعاة المفاوضات والتفاهمات بين حماس وإسرائيل القفز على تفاهمات القاهرة التي حققت استحقاقات أكثر مما حققته تفاهمات حماس – إسرائيل؟ أليس من الأولى والأفضل إقناع قادة حماس بالعودة إلى شعبهم وشركائهم في الوطن والنضال؟ أم أن الاستئثار بورقة خاسرة قبل الخروج بها يجعلهم يصمون آذانهم ويغلقون عيونهم عن الواقع الفلسطيني الذي لا يشبه أي من الساحات العربية والاقليمية؟ أليس لحركة حماس التي تتغنى بالوحدة وتزعم سعيها لإنهاء الانقسام بدلا من التفرد واستمرار اغتصابها لقطاع غزة تطبيق ما تزعمه من توجهات نحو الوحدة ليس عبر اطلاع الفصائل على نتائج مفاوضاتها وتفاهماتها مع إسرائيل فقط، بل من خلال عودتها للطاقم الفلسطيني الموحد الذي تشكل إبان الحرب على قطاع غزة للوصول إلى تهدئة مع الاحتلال ؟.
تساؤلات كثيرة وعديدة تطرحها المفاوضات السرية بين حركة حماس وإسرائيل، والأخطر من كل ذلك ما تم الإعلان عنه من تفاهمات، التداعيات والأبعاد المترتبة على هذه التفاهمات إن تم تبنيها من قبل ممثلي وفصائل الشعب الفلسطيني.