الاتفاق الناعم والميناء العائم - حسن سليم
لم تعد المفاوضات بين إسرائيل وحماس سرية، أو خبرا تخشى الأخيرة من تسريبه، بل نجحت في تهيئة الجمهور لتقبله من خلال بالونات الاختبار التي كانت تطلقها من خلال الناطقين باسمها، تارة تنثر الحديث عن دردشات وأخرى عن لقاءات عبر وسطاء، وتارة تنفيها.
اليوم لم يعد الأمر كذلك، فقد تبدل الحال من الدفاع عن وجود اتفاق ونفيه الى الاقناع بالجدوى، الانتقال الى مرحلة الحديث في التفاصيل، والجدوى من عقد هكذا اتفاق مع إسرائيل، والمفاخرة بمنسوب الخير الذي سيعم على أهلنا في القطاع السجين حال توقيع الاتفاق وعلى وجه الخصوص تنفيذ مشروع الميناء العائم على شاطئ غزة.
وحتى لا يتم التغرير بالجمهور، وتصوير الأمر وكأن انتصاراً قد تحقق، وان دماء آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى وهدم آلاف المنازل لم تذهب هدرا، فان الضرورة توجب أن تكون سلطة حماس أكثر جرأة وتطلع الجمهور بشكل رسمي على تفاصيل الاتفاق الذي ينص على هدنة طويلة تمتد لخمسة عشر عاما، وان شرطة حماس وحرس الحدود الذي شكلته سوف يضمن هدوءا شاملا من جانب غزة، وتضمن عدم اختراق الهدنة وعدم المساس بأمن إسرائيل، وكذلك التوقف عن تصنيع أو السماح لأي طرف بالتصنيع أو إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، كما تتعهد بعدم حفر الأنفاق والالتزام بالتنقل من خلال المعابر الرسمية سواءً عبر معبر رفح باتجاه مصر، أو عبر معبر بيت حانون "ايرز" لعبور الأفراد من والى الضفة وإسرائيل، واستيراد وتصدير البضائع عبر معبر كرم أبو سالم، وبالمقابل ترفع إسرائيل الحصار من طرفها عن القطاع وتسمح ببناء الميناء العائم على شاطئ غزة، الذي سيخصص لرسو سفن الشحن، فيما رفضت اسرائيل بشكل قاطع طلب حماس اعادة بناء المطار او بناء مطار جديد يُقام في منطقة آمنة على ارض القطاع.
أما الميناء العائم الذي ذاع صيته والحديث يجري عن بنائه على بعد (3 كلم) من شاطئ قطاع غزة، ويرتبط بشكل مباشر بجزيرة قبرص التركية، التي زارها نتنياهو الشهر المنصرم للاتفاق مع قبرص على آلية تنفيذ المشروع، الذي من المقرر ان يخضع العمل فيه لرقابة إسرائيل وحلف الناتو، تحيط به قائمة من الأسئلة المشروعة حتى لا يتحول الى ما يشبه قصة الفيل الأبيض، تتعلق بمشروعية عقد الاتفاق بين حركة أو فصيل ودولة محتلة، والفترة الزمنية التي ستستغرقها فترة البناء والمتوقع أن تزيد عن ثلاثة أعوام، وماذا سيفعل المسجونون خلال تلك الفترة، هل مطلوب الانتظار لثلاثة أعوام أخرى؟ وبالطبع لا تجرؤ سلطة حماس على مصارحة الجمهور بأن تشغيل هذا الميناء والإجراءات التي سيتم اتباعها في حال بنائه ستكون من ألفها الى يائها بشكل مطلق بإشراف إسرائيلي، كما هو الحال في معبري بيت حانون وكرم أبو سالم.
اتفاق حماس مع إسرائيل الذي يكتنفه الكثير من الغموض، ويسعى مجلس الشورى الحمساوي الى تسويقه عربيا وأوروبيا، والحصول على المباركة الإيرانية له، يعتبر اتفاقا مريحا لإسرائيل، بل وتحقيقا لهدف استراتيجي طال انتظاره، حيث يتحقق لها تفسيخ اللحمة الفلسطينية وسلخ القطاع الى غير رجعة، وتضمن أمن حدودها من جار مشاغب، بل سيكون صاحب يد ثقيلة على من يفكر بالمساس بأمنها، فيما يرى فيه غالبية أعضاء مجلس الشورى الحمساوي فرصة لمواجهة حكومة الوفاق الوطني ومنع بسط إدارتها على قطاع غزة من جديد.
إذن هو اتفاق ناعم غير مكلف لإسرائيل، بل مرده لصالحها وفي ذات الوقت لا يلزمها بثمن، كونه ليس برعاية دولية، ويوفر لها إمكانية خلق الذرائع للتنصل منه متى شاءت، وإعادة خلط الأوراق من جديد لن تكون صعبة عليها، ولسلطة حماس يوفر الفرصة للتخلص من التبعية للسلطة الوطنية والى الأبد بعد تأسيس كيانها التي تسعى لقيامه، وتكون وحدها على الأرض، وحينها سيكون القطاع لقيطا من الناحية السياسية، فيما أهله ضحية مراهقة سياسية غير محسوبة. واذا كان البعض يستهويه تسميته "اوسلو 2" الا أن هذا الـ "اوسلو 2" لا يشمل الضفة ولا القدس ولا يبحث في قضية اللاجئين ولا الحدود ولا يطلق سراح الاسرى، ولن يعيد مشردين من الشتات، بل سيبقي حماس في حكمها لقطاع مُنهك، ويضمن لقادتها حرية التنقل دون سواهم.