الدولة أولاً - منتصر حمدان
حققت الجهود المبذولة على المستوى الرسمي لتثبيت دولة فلسطين في المحافل الدولية نجاحات غير مسبوقة بفعل الخطة الدبلوماسية التي وضعها الرئيس محمود عباس وبقيادة طاقم يظهر احترافية عالية على مستوى العلاقات الدبلوماسية، لكن هذه الجهود الكبيرة لا يرافقها جهود حقيقية على المستوى الداخلي لتكريس بناء دولة تكون قادرة على تلبية الحدود الدنيا من طموحات شعبنا وآماله.
التجارب العالمية منذ آلاف السنين في بناء الامبراطوريات او الدول تؤشر بوضوح الى ان بناء الدول يبدأ في نفوس الشعوب باعتباره حلما وطنيا يحظى بدعم وتأييد الشعوب التي ترنو الى مستقبل مشرق يحقق آمالها في الحرية والاستقلال.
في الحالة الفلسطينية تكاد الصورة تكون مقلوبة عندما نرى القيادة الفلسطينية تحرص وتسعى لبناء الدولة المستقلة وانجاز التحرر والاستقلال ايمانا منها بأهمية تثبيت كيان الدولة الوليدة على مستوى المحافل والهيئات الدولية، في حين نجد بعض الفصائل وبعض القيادات والكوادر السياسية والميدانية وحتى كوادر منخرطة وعاملة في مؤسسات السلطة الوطنية تبث الاحباط واليأس بين اوساط العامة وتشكك في امكانية اقامة الدولة، ويترافق ذلك مع جهود فصائيلية معارضة للمشروع الوطني برمته، لفتح الاتصالات والمشاورات وتتفاعل مع عروض رسمية وغير رسمية لاحباط جهود القيادة باقامة دولة فلسطينية واحدة لكل الفلسطينيين في غزة والضفة بما فيها القدس المحتلة.
على المستوى الخارجي نجحت الدبلوماسية الفلسطينية بترسيم معالم الدولة وفقا لقرارات الشرعية الدولية وقرارات الامم المتحدة، لكن من المعيب بحقنا كشعب ناضل وقدم مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين وتحمل الكثير الكثير من الالم والمعاناة في سبيل نيل حريته واستقلاله الوطني ن نتراجع على المستوى الداخلي عن حلمنا الوطني بالحرية واقامة الدولة، ومن غير المقبول قتل مشروعنا الوليد تحت مبررات وذرائع سياسية او امنية او دينية او حزبية ضيقة، لان القبول بهذا المنطق يعني خذلانا لكل من ضحى بدمه وعرقه وجسده وشبابه وممتلكاته من اجل الوطن خاصة في ظل وجود نزعات تعبر عنها بعض الفصائل والحركات التي تعتبر ان الفلسطيني مشروع شهادة مدى الحياة، ما يعني اننا سنقدم المزيد من الدماء والالم والمعاناة بلا هدف سياسي واضح وقابل للتحقق في الامد القريب.
ان اقامة الدولة الفلسطينية وتقوية جذورها في الارض هو الهدف الذي يجب الاجماع عليه وتكريس كل الطاقات والجهود ومجابهة اية محاولات سواء كانت داخلية او خارجية للمساس بهذا الهدف خاصة في ظل حالة التكالب غير المسبوقة على حقوق شعبنا ومحاولات المساس بثوابته وحقوقه الوطنية الذي يمكن ان يتجسد في افتعال الازمات الخارجية مثل افتعال ازمات سياسية بالاصل لكنها مغلفة بأزمات مالية تستهدف المخيمات او الخدمات التي تصل اليهم كما حدث في جميع المخيمات في الوطن والشتات، او افتعال ازمات كما يفعل الاحتلال فيما يخص خدمات الكهرباء والمياه وحالة النقص القائمة التي مست خدمات المواطنين في شرق رام الله وغربها او ازمات الكهرباء الحاصلة في جنين.
من الواضح انه لا يمكن فصل السياسة عن بقية القضايا الاخرى، فكل شيء في فلسطين يقف خلفه امر سياسي، فانتشار المخدرات والحشيش بين الشباب سياسة، وقطع الكهرباء سياسية، ومحاصرة القطاع سياسة، وتكريس الانقسام سياسة وتعظيم فكرة انفصال غزة عن الضفة سياسة، ومحاصرة السلطة سياسة والضغط على الرئيس سياسة واحراج الحكومة سياسة ... لكن الحكمة تقتضي ونحن على عتبة الدولة ان نتجند كلنا خلف هدف اقامة الدولة ومجابهة اية محاولات لتكبيل ميلاد المولود وتشويهه قبل ان يخطو خطوته الاولى.