مخطط تعميق الانقسام الفلسطيني - فتحي محمود
فى الوقت الذى تسعى فيه مصر لإتمام المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية، والدفع نحو عودة المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية بشكل جدي،
من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، تسعى بعض الأطراف الفلسطينية بالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية لتعميق الانقسام الفلسطيني، وإعلاء المصالح الأيديولوجية الضيقة على المصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
فحركة حماس تسعى منفردة ـ لإبرام صفقة مع الجانب الإسرائيلي، تتضمن هدنة طويلة الأمد، تتعهد الحركة بموجبها بعدم تعرض الأراضى الإسرائيلية لأى أخطار من قطاع غزة، مقابل تخفيف إسرائيل ضغوطها على حماس، وتقديم بعض التسهيلات لها، خاصة المنفذ البحري، ويشارك فى المفاوضات بين الجانبين بعض الوسطاء مثل تركيا وقطر وسويسرا.
ويتزامن ذلك مع مخطط تغذيه كل من قطر وتركيا، يستهدف تعزيز الانقسام الفلسطينى والفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وصولا لإقامة دويلة منفصلة بالقطاع، وهو ما من شأنه تفتيت القضية الفلسطينية والقضاء على فرص إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة، حيث تقوم الدوحة وأنقرة بتعزيز هذا الانقسام بعدة وسائل، منها دعم حركة حماس وتوفير احتياجاتها كافة، بحيث لا تحتاج إلى السلطة الشرعية الفلسطينية الممثلة فى حكومة الوفاق.
والحقيقة أن إقامة دويلة مستقلة فى غزة، أمر له خطورة قصوي، ليس على القضية الفلسطينية فقط، وإنما على الأمن القومى المصرى أيضا، ففى حال إقامة هذه الدويلة ستتخلى إسرائيل عن التزاماتها تجاه القطاع كسلطة احتلال، وبالتالى يلقى على الجانب المصرى جميع أعباء غزة الاقتصادية والمعيشية، فضلا عن التداعيات الأمنية المتوقعة لذلك.
لقد لعبت مصر دورا تاريخيا فى دعم القضية الفلسطينية، ورعت المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية بصورة تسهم فى توحيد الجبهة الداخلية، ومن ثم التحرك النشط لتحريك عملية السلام وصولا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لكن تعنت حركة حماس فى إنجاز المصالحة والوفاء بجميع استحقاقاتها يضر بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني، ويؤدى إلى استمرار الانقسام وتعميقه، وكل ذلك لا يصب إلا فى مصلحة الاحتلال الإسرائيلي.
وبرغم ما تتعرض له مصر من أخطار عبر قطاع غزة من جهة، سواء انتقال عناصر متطرفة إلى سيناء، أو إيواء عناصر إرهابية هاربة من مصر فى القطاع، أو تدريب إرهابيين من سيناء لدى بعض التنظيمات فى غزة، وما تواجهه مصر من أعباء داخلية على جميع الأصعدة، لاسيما أمنيا، فإن مصر لم تتخل عن جهودها لتخفيف معاناة سكان القطاع.
فمصر تقوم بتشغيل منفذ رفح البرى لفترات طويلة برغم التحديات الأمنية بشمال سيناء، وتضغط على إسرائيل للحفاظ على التزاماتها باتفاق الهدنة المبرم بالقاهرة، مع دفع إسرائيل لتسريع وتيرة إدخال مواد إعادة إعمار غزة، وحث المانحين الدوليين على الوفاء بالتزاماتهم تجاه القطاع.
هذا هو سعى مصر برغم مخططات تعزيز الانقسام الفلسطيني.
عن الاهرام