المريول .. موجات الأزرق وغابات الأخضر تظلل شوارع فلسطين
دعاء زاهدة
ما زالت روان (26 عاما) تحتفظ بمريولها الأخضر الذي ارتدته في آخر سنة دراسية لها، ختمت 12 عاماً من طقوس الانتظار لليوم الأول من العام الدراسي، لم تكن تنم ليلته دون ان تعلق مريولها الجديد أمام عينيها وحقيبتها فوق وسادتها.
غدا الاثنين، تجتاح الشوارع موجات الأزرق وغابات الأخضر لتعود بالذاكرة إلى عام 1975، حيث افتتح في الخليل مصنع النسيج 'المحاريق'، وهو اسم ارتبط به المريول المدرسي لفترة طويلة.
'البداية كانت في مدينة أريحا، حيث خضعت لتدريب مهني متخصص بالنسيج والحياكة وعدت إلى الخليل لأنشئ بعد عدة سنوات مصنع نسيج العلمين، كنا نبيعه على شكل قماش، ونترك مهمة خياطته لأولياء الأمور. اليوم ومن أجل التوفير على الأهالي أصبحنا نصنع المريول بشكله الحالي ما خفض التكاليف على الأهل بنسبة 75%'، يقول صاحب المصنع فايز المحاريق.
ضجيج آلة حياكة الثوب، تخبرنا أن خلف قصة هذا القماش المخطط، الذي بات جزءا أصيلا من المشهد الفلسطيني، جهد كبير ليخرج بشكله الحالي. قصة بدايتها في الهند حيث تستورد الخيوط من هناك خصيصا ًلنسج قماش المراييل.
عبر ماكينات معقده تتحول الخيوط إلى 'رولات' ضخمة من القماش، يقول المحاريق 'نقوم بنسج الخيوط وتحويلها إلى قماش، ثم نقوم بغسلها وخياطتها وكيها لتصبح جاهزة للبيع'.
تضاربت المعلومات بشأن التاريخ الحقيقي لبدء استعمال الزي المدرسي بصورته الحالية، فلا معلومات رسمية واضحة، وهناك سيدات تجاوزت أعمارهن السبعين أكدن أنهن ارتدينه بصورته الحالية في عهدهن الدراسي، وأخريات يذهبن الى أن المريول المدرسي الفلسطيني هو 'سليل الأتراك'، واستمر في فترة الانتداب البريطاني والحكم الأردني، ثم الاحتلال الإسرائيلي، ولم تزل ألوانه تصبغ عهد أول سلطة وطنية تقوم على أرض فلسطين، ولم تنجح أي من المحاولات لتغييره.
يضيف المحاريق: 'كان هناك أكثر من محاولة لتغيير الزي المدرسي، ففي عام 1997، ابان عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، حاول بعض التجار تغيير الزي المدرسي، وبعضهم حاول استيراد المريول جاهزا من الصين، وتوجهنا في ذلك الوقت إلى أبو عمار وحصلنا على كتاب موقع منه بمنع استيراد هذا الزي باعتباره تراثا فلسطينيا وطنيا'.
قيمة المريول في حياة الفلسطينيين لم تحددها فقط رمزيته الثقافية، وإنما في ابعاده الاقتصادية.
يعمل لدى المحاريق في مصنعه ما لا يقل عن 60 عاملا بوظيفة دائمة، إضافة إلى عشرات آخرين في مواسم افتتاح المدارس، وهذا يعني أن عشرات العائلات تعتمد على المريول في توفير قوت أبنائها على مدار العام، إضافة إلى الاستعانة في فترة بداية العام الدراسي بمشاغل خياطة أخرى لتغطية حاجة السوق.
للفتاة سحر خاص بمريولها الاخضر، إضافة الى قيمته الاقتصادية ورمزيته الثقافية، هناك قيمة جمالية وهو ينسدل على الأجساد الغضة.
'لا ندرك جمالية الأمور إلا عند فقدها. اليوم المدرسي الأول كان يشكل لنا فرحا وإن شابته بعض الغصات، فهو يعني العودة إلى مضمار المنافسة على العلامات'. تقول روان أمجد الموظفة في وزارة الصحة في الخليل.
وتضيف: 'ما زال عالقاً في ذهني طوال فترة الدراسة الابتدائية النظرة الحالمة التي كنت أنظر بها إلى المريول الأخضر. كنت أظن أني حين ألبسه سأصبح فتاة كبيرة. كانت نظرة المجتمع تختلف بين المرحلتين الابتدائية والاعدادية'.
وتابعت: الجانب الأهم في فكرة الزي الموحد أن نؤسس بناتنا بعيدا عن التمييز، وأن لا فرق بين الغني والفقير. هذا هو العنصر الأهم في توفير بيئة تساعد على إذكاء المنافسة بين التلميذات'.