تدويل المقاومة الشعبية طريقا للدولة الفلسطينية - د.مازن صافي
خمسون عاما والثورة الفلسطينية تتجدد من مرحلة لأخرى على طريق الاستيراتيجية الأولى الذكية والتي رسخت مفاهيم العمل الثوري والعسكري والسياسي الفلسطيني، وكانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" صاحبة الانطلاقة الفلسطينية المعاصرة، هي حركة الشعب الفلسطيني بل العربي وبل كل من ينادون ويؤمنون بحرية الإنسان من الاحتلال، ولقد تنقلت من مكان لمكان لتبقى بالقرب من حلم الأجداد وعيون الأبناء، حيث القدس وغزة وجنين، وتمكنت "فتح" من استنهاض القدرة الفلسطينية على انبعاث الهوية، وولادة الإرادة التي انتقلت من أرض الشتات الى عمق الأرض المحتلة، كانت الطريق شائكة ومعقدة، ولكن تصميم الشعب الفلسطيني على البقاء وإبداع قيادة الثورة الفلسطينية على بعث الكياني الإنساني والقانوني والوطني، استطاعا أن يتغلبا على كل محاولات طمس القضية او تفتيتها، وتحولت مشاهد وذكريات الاقتلاع من الأرض الى حلم العودة وعناق الزيتون مرة أخرى، فكان لابد من الكيان السياسي الفلسطيني تتويجا لكل مراحل النضال، ولم تكن منظمة التحرير الفلسطينية مجرد مسمى فلسطيني، بل كانت البيت الجامع والأم التي تحملت كل التحديات والظروف المعقدة، واستطاعت إدارة الصراع ضد (إسرائيل) في الشتات وفوق الأرض، فكانت السلطة الوطنية الفلسطينية بداية طريق العودة ونور في ظلام الطريق، وبدأ المشروع الصهيوني في استقبال الإشارة الفلسطينية من البث من عواصم العرب، الى البث من قلب المدن الفلسطينية، وبدأت الشعب الفلسطيني في إعادة رسم الخارطة من جديد، حتى أعلنت فلسطين دولة عضو مؤقت تحت الاحتلال، في الأمم المتحدة بعد 24 عاما من قيام دولة فلسطين في الجزائر، فتعانقت إرادة شعبنا بقيادة الرمز الشهيد الرئيس ياسر عرفات أبوعمار، مع القائد العام الرئيس محمود عباس أبومازن، وعمل الاحتلال على قطع طريق الوصول للحرية، فكان القرار الفلسطيني بأن المواجهة ستكون في كل المؤسسات الدولية، وبذلك ولدت مرة أخرى الكيانية الفلسطينية المقاومة في الأمم المتحدة وفي عواصم العالم، وهو الحراك الدولي الذي أدى في محطات كثيرة لعزل (إسرائيل)، ومقاطعة لها في كثير من المجالات منها الاقتصادية والأكاديمية، وهذا في معناه الحقيقي يشبه مشاركة الكثيرين من الأجانب في المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال في بدايات الثورة وفي حروبها المختلفة، وهنا نقول أيضا أن الحراك الدولي هو المعنى الآخر لتدويل المقاومة الشعبية، مثلما تم تدويل الانتفاضة الأولى ليتحول مصطلح "الانتفاضة" المعنى الشائع والمفهوم لأي حركة تحرر من الظلم والاضطهاد والعنجهية، وتمترست القيادة الفلسطينية حول المرجعيات الدولية والإقليمية وفرضته أمام أي جهود دولية للوصول إلى بث الحياة في العملية السلمية المجمدة.
إن القدس هي عاصمة الحلم الفلسطيني والدولة الفلسطينية، وهي عنوان الاستيراتيجية في كل مراحلها، فلا دولة بدون القدس ولا سلام بدون القدس، وبالرغم من كل عمليات التهويد لمدينة القدس، وتضييق الخناق على شعبنا الفلسطيني وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة الإنسانية، ناهيك عن حقوقهم القانونية، ودعم القدس لا يتوقف على الفلسطينيين وحدهم، بل يجب على العرب والمسلمين جميعا دعم سكان القدس واستمرار صمودهم ومقاومتهم للاحتلال، وحمايتها من فكي التهويد المستمر وعزلها التام عن محيطها العربي والفلسطيني، والمحاولات المستمرة للاحتلال لعمليات اقتحام المسجد الأقصى وبناء الأنفاق تحته، وتعرضه للأخطار الحقيقية للهدم، وتحتل القدس مكانة خاصة في فكر الحركة الصهيونية العالمية ونظريات المحتل الإسرائيلي، ولكنها لها الأهمية الأكبر لدى العرب والمسلمين، ففيها المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، لهذا فللقدس بعدها الديني والاسلامي والقانوني لكل فلسطيني ويعتبر المساس بالأقصى مساسا مباشرا بالحياة الفلسطينية، ونذكر ما حدث في يوم 28 سبتمبر 2000 ، حين قام شارون واعضاء من حزب الليكون وبحراسة أكثر من الف حارس مسلح بإقتحام المسجد الأقصى مما شكل اليوم الأول لانتفاضة الأقصى التي أعادت النهج الثوري لحركة فتح حيث عاد الكفاح المسلح ضد الاحتلال، مما يعني أن القدس هي عنوان وبوصلة الاستيراتيجية الفلسطينية ومفتاح السلام والأمن في منطقة سرعان ما تشتعل في حال وجود أي صاعق يمس حياة الناس ومستقبلهم ومعتقداتهم وقدسية الأماكن المقدسة .
وفي العام 2010 قال الجنرال الأمريكي جونز عن القضية الفلسطينية " احتمال اندلاع العنف هناك قائم في كل لحظة، وإذا استطعنا إصلاح أمر واحد في هذا الكون فيجب أن يكون إيجاد حل لهذه القضية، وإقامة الدولتين أفضل الحلول".