"اوسلو"، الثمرة المُرة - حسن سليم
اتفاقية اوسلو، او معاهدة اوسلو، او اوسلو 1، المعروف رسميا باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، هو اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأميركية في الثالث عشر من ايلول عام 1993، بحضور الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، والرئيس الشهيد ياسر عرفات واسحق رابين، فيما وقعه عن منظمة التحرير امين سر لجنتها التنفيذية في حينه محمود عباس "ابو مازن "، وشمعون بيريز وزير الخارجية الاسرائيلية آنذاك عن الحانب الاسرائيلي، وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
اتفاق اوسلو الذي شكل نقطة فارقة في شكل العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ما زال الجدل بشأنها قائما رغم قائمة التغيرات الطويلة "وخراب مالطا" كما يقال، الا ان الصفة الملازمة للموقف سواء لمن أيده، بانه لم يطوره او ينجح في سد الثغرات في نصوصه، ويجعل منه نافذة لصبح قد يبزغ، ولا لمن عارضه بانه لم يجد البديل الاصلح منه، واكتفى بلعنة كلما سنحت فرصة الخطابة، بمناسبة او دون مناسبة، فيما فريق ثالث سعى جاهدا لتكرار التجربة ولكن بمقاسه، وكان سينتج نسخة مسخة عنه " اسلو 2 "، لولا تراجع اسرائيل في اللحظة الاخيرة، اعتقدوا ان فيه مغنما، في حين كان وفق عقيدتهم السياسية حراما.
اتفاق اوسلو لم يجرؤ من كتبه او شارك في صياغته ان يقول فيه بيتا واحدا من الشعر يمتدحه، وافضل ما قيل فيه انه "الثمرة المُرة" التي اضطر الفلسطيني ان يأكلها طمعا بان يبرأ من ألم التشرد في عواصم العرب التي اخذت قراراً بتفكيك البندقية الفلسطينية، ولمواجهة عواصم التيه التي اخذت قراراً باعاد ترسيم الهدف السياسي وشطب التمثيل الفلسطيني، وصولاً الى نموذج حكم اقل من دولة واكبر من روابط قرى، لا يؤدي الى قيام دولة، ولا يعيد للفلسطينيين حقوقهم المشروعة.
وبين "الثمرة المرة" التي اكلها الرئيس الشهيد ياسر عرفات وقيادة منظمة التحرير المؤيدة لاتفاق اوسلو، وبين من اعتبر الاتفاق تحولا عن الحق التاريخي نحو الممكن السياسي، كانت المحاولة الفلسطينية لبناء دولة تتعثر وما زالت، سواء بتقصير او بأخطاء داخلية، او بانزواء البعض وعزفهم عن المشاركة، فكان خيارهم كما قيل لسيدنا موسى: "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون"، او بضغط النموذج الثالث الذي حاول تكرار التجربة باوسلو 2، ورغم قتامة الصورة، الا ان هناك على الارض والخارطة الدولية حقيقة ثابتة، لا ينكرها الاعمى، بان حقا سياسيا متمثلا باعتراف دولي بدولة فلسطين قد تحقق، وبأن علم فلسطين يرفرف بجانب اعلام الدول، رغم انف اسرائيل وضغوط الولايات المتحدة الاميركية، التي رمت بثقلها لافشال الاعتراف الدولي بفلسطين وابقائها حبيسة خيار طاولة التفاوض المباشر مع اسرائيل، تغادرها، وتعود لها متى تشاء، وان كان البعض ينظر لهذا الاعتراف ولرفع العلم بانه لا يغير على الارض شيئا، يحتاج ان يسأل عن اسباب الضغط الاميركي الكبير، وجولات سفراء اسرائيل في مختلف اصقاع العالم لمنعه، سيعلم ان تلك الخطوة تعبر عن الهوية والسيادة الوطنية الفلسطينية الممهدة لقيام الدولة، وما كان ذلك ليتحقق لولا عدالة قضيتنا وثباتنا على الارض بدلا من ان الهَيام في عواصم العرب بحثاً عن مأوى سياسي، كانت تتغير شروطه الاقامة فيه ويرتفع سقفها كلما "دق الكوز بالجرة".
وبالمقابل، وفي ظل الانشغال الفسلطيني الداخلي في المناكفة السياسية العقيمة، والعور السياسي الذي يصيب البعض المستقوي بدول وتحالفات ترى فيه "مشاغبا يعتمد عليه عند اللزوم"، اسرائيل تبني دولة ثانية في الضفة الغربية لمستوطنيها لتقتل فرصة قيام الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافيا، لنعود من مرحلة بناء الدولة الى نقطة اقناع العالم واسرائيل بوحدانية التمثيل، وبذلك يكون اكلنا للثمرة المرة بلا منفعة، ولم نستفد سوى مرارة الطعم.
وان كان لعن اوسلو مخرجا، لنلعنه جميعاً صباح مساء، ولكن لتكن كما قال سيدنا عمر لصاحبة الجمل المصاب بالجرب: "يا أمة الله، كثير من الدعاء مع قليل من القطران".